الربيع العربي فرصة سانحة لأي حزب أو تيار سياسي لتحقيق مكاسب سياسية كبيرة، فعلى الصعيد الوطني سيستفيد من الإنجازات التي ستتحقق من انفراج سياسي وإصلاح دستوري وتعزيز الديمقراطية والتخلص من العقلية العرفية التي سادت منذ عقود من جانب، ومن جانب آخر وعلى الصعيد الداخلي والمصلحة الحزبية فإنه سيحقق مكاسب جماهيريه تتمثل في نشر أفكاره وإثبات مواقفه من خلال الاتساق بمطالب الجماهير وتوجيهها وعدم التخلي عنها وعن مطالبه لأي سبب كان.
لا احد ينكر دور الأحزاب اليسارية والقومية في الحراك الشعبي، حيث كان لها الدور الطليعي في إطلاق الحراك الشعبي الأردني منذ ما يزيد عن عام وثمانية أشهر، ولا احد ينكر إلا جاحد الدور البارز لتلك الأحزاب في النضال أيام الأحكام العرفية وحجم النضالات الضخمة والتضحيات الجسيمة التي تكبدها اليساريون والقوميون من اعتقال وحجز جوازات سفر ومنع من العمل وغيرها من التضحيات .
ولا ينكر عاقل حجم الدعم الكبير الذي قدمته تلك الأحزاب من خلال ابتعاث الآلاف من الطلبة إلى الدول الاشتراكية والى العراق وغيرها من البلدان مما ساهم إلى حد كبير في نشر الوعي والثقافة والنهوض بالأمة من خلال خلق جيل متعلم وواع ورفد البلاد بالخبرات والكفاءات المتخصصة في كافة المجالات وبالذات في مجال الطب والهندسة مما كان له الأثر الكبير على سمعة البلاد في مجال الخبرات والكفاءات العلمية . وسجلات نقابة المهندسين خير دليل على دور هذه الأحزاب في هذه النقابة فمعظم منتسبيها هم خريجو الجامعات العراقية وروسيا والدول الاشتراكية
كل هذا جميل كمدخل للحديث، فمن الواضح أن تلك الأحزاب لم تستطع الاستفادة من كل تلك الانجازات ولأسباب مجهولة.!! فمن الطبيعي أن تنعكس كل تلك الانجازات والتضحيات على انتشار تلك الأحزاب وتوسعها، ومن الطبيعي ايضاً أن تنعكس تلك الانجازات على الأوضاع المالية والتنظيمية إيجاباً وهذا ما لا نراه اليوم ولأسباب مجهولة ايضاً فكانت مثالاً لمن يضحي دوماً دون ان يستفيد ؟!!
صحيح أن الحكومات المتعاقبة قد ضيقت الخناق على تلك الأحزاب وحاربتها بشكل شرس، وصحيح ايضاً أن انهيار الاتحاد السوفييتي واحتلال العراق كانا بمثابة صاعقه لتلك الأحزاب، وصحيح أن القوميين واليساريين كانوا يقبعون في غياهب السجون في الوقت الذي كانت فيه بعض القوى الأخرى والمسيطرة حالياً تشارك في تشكيل الحكومات ؟! ويعين منها الأعيان؟! ويترك لها المجال للعمل في كافة المجالات مما أدى بالضرورة إلى صعود هذه التيارات.
ولكن كل ما تقدم لا يعني أن تتراجع أحزابنا إلى ما هي عليه الآن ودون أي سبب موضوعي معلن ؟! الحقيقة التي لا بد من التعامل معها أن أي تجربة في الدنيا بحاجة إلى المراجعة والنقد والتطوير والبناء على الانجازات وتجنب السلبيات والأخطاء طبعاً بعد الاعتراف بها !!
من المهم أن ندرك، ونحن على أبواب إجراء انتخابات نيابية مزورة سلفاً بسبب القانون الممسوخ الذي ستجري بموجبه، أن أي حزب سياسي سيشارك في الانتخابات المقبلة وبخاصة في مرحلة الترشيح والانتخاب سيخسر جماهيرياً وسيخسر جزءا كبيرا حتى من منتسبيه !! فبحسب معرفتي المتواضعة واطلاعي على آراء الشارع الأردني، فإن هذا القانون مرفوض ولا يحظى بأي قبول، وأي تيار سيشارك في الانتخابات وفقاً لهذا القانون سيكون خاسرا حتماً.
عودة إلى عنوان المقال وعوده إلى ما تكبدته الأحزاب اليسارية والقومية دوماً من خسائر وتضحيات، فإنني أرى إن من ُيقدم على المشاركة في الانتخابات القادمة من هذه الأحزاب يكون قد استحق بحق لقب الخاسر الأكبر، بحيث يكون قد ضحى وسجن وتحمل كل أنواع الإقصاء، وعندما حانت ساعة الحسم وتحقيق المكاسب وتوسيع القاعدة الجماهيرية قرر أن يخسر سمعته ونضالاته وجماهيره ايضاً.