لا شك في أن عددا ليس باليسير من اللاجئين السوريين قد فر نتيجة للأعمال العسكرية والقصف الذي طال مناطق مختلفة في سورية، ما استدعى الفرار واللجوء إلى الأردن.
ولكنْ، أيضا، ثمة عدد آخر فر من أجل البحث عن حياة جديدة. وكلا الطرفين تم التقاطهما من قبل الجمعيات والمنظمات الخيرية الإسلامية والغربية، وكذلك المنظمات الدولية، ليصبح اللاجئون مادة سياسية وإنسانية وإعلامية غنية لجر التعاطف الإنساني والدولي، والتهويل من حجم الكارثة التي تحل بالشعب السوري، الأمر الذي استدعى هروبه من الجحيم السوري إلى جنة الزعتري!
ثمة تقارير وأخبار تشير إلى أن قصة اللاجئين بذاتها تدخل في سياق الحرب السياسية التي تشن على النظام السوري، من خلال بعض المسائل الإنسانية. وقد يكون ذلك صحيحا وقد لا يكون، لكن الثابت الوحيد في معادلة الصراع أن ثمة صناعة للاجئين تتم بشكل منهجي ومنظم، حتى وإن كانت على نطاق ضيق، ويتم توظيفها سياسيا وإنسانيا بما يخدم أطراف الصراع الرئيسة في الحرب الدائرة في سورية.
صحيفة "واشنطن بوست" نشرت مؤخرا تقريرا يبدأ بـ"الكلاشيه" الإنساني لجذب القارئ، تقول فيه إن مئات اللاجئين السوريين يتسللون عبر الحدود الأردنية كل ليلة حاملين معهم معاناتهم الرهيبة وجروحهم العميقة. لكنهم بالنسبة إلى هذه المملكة القليلة الموارد يشكلون أعباء اقتصادية جديدة، وهموما بأن الحرب المجاورة قد تمتد إلى ما وراء حدودها!
وتضيف الصحيفة: وعلى مقربة من تلك المخيمات، في موقع مغلق أمام الصحفيين، يقبع مخيم آخر يؤوي الفارين من قوات الأمن السورية. وتتابع الصحيفة تحليلها بأن استضافة الأردن للاجئين والمنشقين فيها مخاطرة محتملة لدولة تشكل واحة استقرار نسبية في منطقة متقلبة، وهي السمة التي جعلتها مغناطيسا لجذب أمواج اللاجئين من حروب سابقة.
وبحسب الصحيفة، فإن هناك قلقا متزايدا من انتقام سوري، أو تعقب لنشطاء المعارضة داخل الأردن. وقد أبدى عدد من المسؤولين قلقهم أيضا بشأن التوترات الداخلية، في وقت يسعى فيه الأردن إلى تهدئة حركة احتجاجية منخفضة المستوى تنادي بإصلاحات ديمقراطية.
وفيما يتعلق بتدفق اللاجئين، قال مسؤول استخبارات أميركي باحتمال حدوث أزمة حقيقية، وأن "الأردن بدأ يغرق في اللاجئين". وقال بعض المحللين إن هذا التدفق يمكن أن يوفر غطاء للجواسيس السوريين أو النشطاء المسلحين!
في الفقرتين الأخيرتين تبرز بوضوح صناعة اللاجئين، ويبرز الهدف الثاوي وراء البكاء الإنساني على مستقبل الأردن ومصير اللاجئين السوريين، ويلاحظ بكل قوة أنه يتم الترويج لتلك الصناعة من خلال التخويف والتشجيع في ذات الوقت على الهجرة. نعم، ثمة لجوء تم نتيجة للعمليات العسكرية ونتيجة للتدمير، ولكن أيضا ثمة صناعة تتم بإتقان للاجئين، لتوظيفها سياسيا وربما أمنيا في مرحلة أخرى لتهديد الاستقرار في الأردن!
بقيت الإشارة إلى أن عنوان المقال "صناعة اللاجئين" هو اقتراح من أحد الأصدقاء العاملين مع الهيئات التي تقدم المساعدات للاجئين في مخيم الزعتري!
jihad.almheisen@alghad.jo
الغد