ذكري الختيار ايحاء واستذكار
سامي الأخرس
11-11-2007 02:00 AM
الشهيد ياسر عرفات الذي قبض على زمام البندقية الفلسطينية وقاد معركة الثورة منذ انطلاقها حتى آخر أنفاسه التي لفظها بباريس ، ليعود إلي حلمه ويحتضن عشقه في رام الله مترقبا الانتقال إلي القدس قبلته ، عاد جثمان يسجي على أكتاف شعب اختلف معه ولم يختلف عليه ، لتبدأ مع رحيله صفحة جديدة من صفحات الفعل السياسي الفلسطيني ، بعنوان وشعار جديد .
غاب القائد فغابت الحنكة السياسية ، والقيادة التاريخية التي ارتوت من ماء فلسطين ، وسبعت من خير أرضها ، فأحبها وعشقها ، فجعلها قبلته وخشوعه .
عند الحديث عن قائد بحجم الختيار نقف في الصف الظالم ، ونكون بعيدين عن العدالة إن سمحنا لأنفسنا أن نسرد مسيرة عطاء طويلة وشاقة ، وعنوان وفاء بعدة اسطر ، ومقال في ذكري الاستشهاد ، لأننا بظلمنا هذا نظلم فلسطين التي مثلها بتاريخ حافل من المآسي ، والآلام ، والأحزان والأفراح ، والتضحيات ، كما أظلمه لأنني مهما كتبت لن أزيد عما كتبه جيش الأقلام التي انبرت تستذكره في ذكراه وتبحث عن مناقبه ، والخفايا التي واكبت مسيرة حياته ووفاته ، وعليه فلن أغوص برحلة هذا القائد ومسيرته الطويلة والشاقة ، ولكنني سأخوض بسؤال راودني وأنا أتصفح صفحات الصحف والمجلات الالكترونية منها والورقية والتي حملت جميعها على صدر صفحاتها صور ومقالات من كل الأطياف والتيارات السياسية ، فالفتحاوى كتب بهمة وحماس مميز عما كان عليه في الذكري السابقة ، واليساري كتب مادحا وليس ناقدا كالعادة ، ولا أغالي إن قلت بأن الذين أيدوا وعارضوا مسيرة الختيار كتبوا عنه مواقفه وشخصيته القيادية ، فهل هذه الذكري وفي هذه الظروف الخاصة جعلتنا ندرك ونشعر بحجم الفراغ الذي تركه هذا الختيار ؟! وهل افتقدناه في ظل الحالة التي نعيش في أتونها حالياً؟!
إن الإنسان بفطرته لا يشعر بقيمة الآخر سوي بعد أن يفتقده ، فالابن مثلاً لا يشعر بالفراغ الذي يتركه والده سوي بعد رحيله ، والزوجة لا تدرك حجم المسؤولية سوي عندما تفتقد زوجها السند القوي الذي كان يحمل العبء عنها .
هذه هي الحقيقة التي وجد الجميع نفسه أمامها ، ودفعت الكل للهرولة لاستذكار الختيار والكتابة عنه ، وأحياء ذكراه مستدركين حجم المسؤولية والعبء الذي كان يحمله ، والقدرة القيادية لهذا القائد الذي حمل فلسطين بهمومها ، وبهموم شعبها ، وبقضيتها التي تعجز الجبال عن حملها .
من خلال ذكري الشهيد ياسر عرفات أدركنا جميعاً إننا لم ننصف هذا القائد في حياته فمنا من سارع لكيل الاتهامات ، ومنا من أنتقده وانتقد سياساته وطريقة قيادته ، وجميعها تأتي من باب "فاقد الشيء لا يعطيه " كنا نفتقد لحجم المسؤولية ، والأعباء الفعلية التي كانت ملقاة على كاهل هذا الختيار ، هذه المسؤولية التي تحتاج لطاقات وقدرات خاصة وسمات ومهارات تستطيع السير في رمال متحركة ، وبصحراء قاحلة لا ماء ولا كلأ بها ، وملامح تمتاز بالفطنة والذكاء .
إن ذكري الختيار جعلتنا جميعاً نقارن بين الختيار وقيادته ودوره القيادي ، وبين الصغار الذين على رأس القوم اليوم ، هؤلاء الصغار بعقولهم وتفكيرهم وشخصياتهم ، صغار الانتماء الوطني الذين يديرون دفة الوطن ، ندرك أن هذه المقارنة مجحفة ومهينة لقائد لا يمكن وضعه في مقارنة مع هؤلاء الأقزام ، ولكنها من باب الحسرة على فقدانه ، والشعور بالذنب تجاهه.
الذكري السنوية لاستشهاد ياسر عرفات لا يجب أن تمر بمثابة كرنفال احتفالي نبري له الأقلام ، ونسن رؤوس أقلامنا مدحاً بل هي ذكري يجب أن نستوحي منها الدروس والعبر من روحه التي بعثت في أقلامكم الحياة لاستذكاره ، ذكري نشعل من خلالها شموع النصر والوحدة .
فالأجيال الحالية أجيال مخدوعة مضللة تنقاد خلف الشعار وفن الخطاب ، تنبهر برجالات المؤتمرات وأصحاب المصطلحات المنمقة المزخرفة ، والمغلفة بالجمال ، ولكنها في الحقيقة لا تحمل في طياتها سوي شخصيات صغيرة لا ترتقي لمستوي قيادة رياض أطفال ، صغار لا يحملون من سمة القيادة سوي الصراخ من فوق عربات الإذاعة التي تطوف في جنازات الشهداء .
فالأمانة ليس بالكتابة والمديح لشخص الختيار بقدر ما هي استذكار لدروس وعبر في فنون القيادة ، مواقف تخضع لتحليل وتقييم حتى يتعلم منها طرشان الزفة ، هتيفة المهرجانات التحريضية ، الذين يحتاجون ألاف السنوات الضوئية لنطلق عليهم لقب قائد وولي أمر ، لكي يعلم أبناءنا من هم القادة ومن هم أشباه القادة ، فشتان بين قائد صنعته فلسطين ، وقائد صنعته المهرجانات ، قائد روته بندقية الثوار ، وقائد روته بندقية القتلة والعصابات والمليشيات .
فعند قراءة التاريخ سنقرأ عن قائد قاد معركة من معارك الوطن ، قائد انحني ليقبل قدم جريح ، ويحتضن اسم طفل شهيد يردده في خطاباته ، وما بين قائد وقائد نعرف أين فلسطين .
فليتعلم أشباه القادة وأطفال السياسة من هم القادة ، ومن عشق فلسطين ، وأعيد نفس السؤال هل أدركنا من هو ياسر عرفات ؟!