المشروع النووي الأردني .. لماذا تعثر وأدى به التلعثم إلى هذا التخبط المشهود؟!! ..
د. محمد الخصاونه
15-08-2012 08:00 AM
فمنذ أن أطلقت القياده مبادرتها المشهوده في إدخال الأردن إلى عصر الطاقه النوويه السلميه بات الموضوع حديث الناس... فتارة تجدهم يتحدثون عن أهمية الطاقه النوويه لسد احتياجاتنا الوطنيه من الطاقه بكلفة منطقيه في ضوء الإرتفاع المتزايد في أسعار التزود بالطاقه للإستهلاك المحلي، وتارة أخرى يتحدثون عن المخاطر المترتبه من استحداث هذا النوع من الطاقه إن نحن تبنينا بناء مفاعلات تجاريه لإنتاج الطاقه الكهربائيه.... فمنذ بدايات العام 2006 للميلاد ونحن نتحدث عن هذا الموضوع... إلاّ أن الشواهد تقول بأننا لم نتقدم قيد أنمله على أرض الواقع! فتارة تجدنا نتحدث عن المفاعلات التجاريه، وأخرى نتحدث فيها عن المفاعل البحثي الذي لا زال يواجه معارضه كبيره من التجمع السكاني المحيط به!! فلماذا وصلنا إلى هذا المأزق الذي لا يبدو في الأفق بأن هنالك مخرجاً منه!!
ففي الوقت الذي أصبحت به الطاقه النوويه من الأمور المسلم بها في الدول التي تعتمد في إنتاج طاقتها على استخدام الطاقه النوويه الإنشطاريه، بتنا هنا نتعامل مع الموضوع على أنه من الأسرار المقدسه على أنه شيء لا تفهمه إلاّ فئة قليله تكاد تكون مما يوحى إليها من خلال الكتب السماويه!! فبدأنا نخبيء هذه الجزئيه وتلك الفرعيه عن هذا النفر أو تلك المجموعه من الناس على الرغم مما قد نشر في الأوساط العلميه والأدبيات المتفرقه عن هذا الموضوع بتفاصيله منذ الأعوام 1978 و 1984 من القرن الماضي بعد حادثتي (Three-Mile Island) و (Chernobyl) إلى درجة أن بعض الأسرار الحساسه التي لها علاقه مباشره أو غير مباشره بصناعة القنبله النوويه بأشكالها وما يترتب على بناء المفاعلات البحثيه والتجاريه وتدوير الوقود المستنفذ (Reprocessing of spent fuel) وغيرها من تفاصيل أخرى باتت منشورة على مواقع الجامعات المختلفه التي يصلها أي إنسان على سطح البسيطه من أي مكان في العالم دخل له عالم الإنترنت إلى حيز الوجود!!... ونحن هنا لا زلنا نتعامل مع الأمور بعقلية ذلك التاجر المحتكر المنتنه التي تستغل عقول وقدرات الأخرين وتقلل من شأنها!!
فمنذ أنطلاقه المبادره الملكيه في وقت مبكر في أول ست سنوات من الألفيه الثالثه تراوحنا مكاننا في الوقت الذي بتنا نجد بأن دولاً أخرى في المنطقه لم تكن الطاقه النوويه على سلم أولوياتها وقد قطعت أشواطاً كبيره سواءاً في التخطيط أو تنفيذ بعض الأمور على أرض الواقع!... فماذا يكون قد أصابنا؟؟... لا شك بأن الفساد الذي ألقى بظلاله على المجتمع برمته كان له تأثير مباشر أيضاً على التعثر الذي أصاب المشروع النووي الأردني في مقتل... فمع أن النخبه التي دعّمت الرؤيه الملكيه لدفعها لأن ترى النور كانت من النخب الصالحه في بدايات الأمر إلاّ أن الثقه التي وضعتها هذه النخبه في اختيار الأشخاص العاملين في المشروع إماً لم تكن في مكانها أو أنها لم تكن موفقه على النحو المأمول... فباتت هذه الطموحات كلها في بؤرة تركيز من أرادوا بنا وببلدنا شراً من ناحية نظرتهم الضيقه لنهب الأموال ووضع اليد على أكبر قدر من المشاريع التي سيلعقوا أصابعهم من ورائها تحقيقاً لمطامع آنيه لا تمت لمعنى الإنتماء الحقيقي في شيء.... وبما أن هيئة الطاقه الذريه الأردنيه وأختها هيئه تنظيم العمل الإشعاعي هما هيئتان تولدتا لتحقيق الرؤيا الملكيه إلاّ أنه سرعان ما بتت تجد عمق الخلافات التي باتت تتأزم بينهما بناءاً على نظرات أنانيه من كل طرف.. فكل يريد أن يسبق الآخر إلى ظلال الأضواء الساطعه، وكل يريد أن يصطاد الإدعاء بالإنجاز (Credit Hunting) قبل قرينه، أو أن يحقق السبق الصحفي ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ولم تكن المصلحه العامه واقعة حينئذ في بؤرة التركيز للقائمين على المشروع بكافة أجزائه وشقوقه على النحو المطلوب... تخلل كل ذلك تسلل أشخاص إلى المشهد ممن لم يتعلموا يوماً معنىً لصدق الإنتماء أو طريقاً للمبدأ الصحيح والخلق القويم... فما أن تمت تصفيتهم وكشفت نواياهم حتى انقلبوا على حين غرة على المشروع الذي تبنوه يوماً رأساً على عقب!!!... بدؤا بعدها بتأليب الرأي العام ضد المشروع ونشر ثقافة مخاطر الطاقه النوويه على نطاق واسع!
إن توفر مصادر الطاقه في أي دوله بأسعار يمكن تحملها من قبل المواطن ولأجل تحقيق غايات الصناعات بكلف منطقيه باتت من مقومات قيام الدول وديموميتها... وبالنسبه لبلد مثل بلدنا فإن الإرتفاعات المتزايده في أسعار الطاقه باتت تضع العراقيل في طريقنا سواءاً على مستوى تحقيق أهداف التنميه المستدامه أو على مستوى استخداماتنا المنزليه، بل إنها باتت تضع قرارنا السياسي على المحك في وجه الدول التي دعمتنا أو التي يمكن لها أن تكون مصدراً من مصادر طاقتنا... إن اللجوء للخيار النووي قد يكون أحد الخيارات المناسبه للأردن على الرغم من حجم الكلفه الإستثماريه الأوليه لبناء المفاعلات التجاريه لإنتاج الطاقه الكهربائيه... فمن ناحيه (لو نجحنا في امتلاك مفاعلاتنا النوويه) فإن كلفة توفير الطاقه ستصبح ضمن إمكاناتنا، ومن ناحية أخرى فإن توفير نظم نقل جماعي (Mass Transport Systems) سيصبح من الأمور المتاحه سنتمكن بعدها من بناء شبكات القطارات الكهربائيه السريعه التي تعتمد إلى حد كبير جداً على استخدام كميات من الطاقه لا يمكن لنا توفيرها باستخدام الطرق التقليديه في توليد الطاقه الكهربائيه، وسيكون بمقدورنا أيضاً تزويد أنواع من الصناعات (وهذا بطبيعة الحال يشمل موضوع تحلية المياه وتنقيتها ونقلها عبر مسافات طويله بكلف قليله نسبيا نستطيع تحملها) ما كانت لتولد دون وجود أشكال طاقة تنتج بكميات وقدرات هائله لا يمكن إنتاجها في المعتاد دون استخدام الطاقه الذريه...
إن نقطة الإنطلاق لنجاحنا تتطلب منا تغيير ثقافة التملك (Culture of Ownership) أو (Culture of Championing a given effort) على الطريقه التي بتنا ننتهجها في مجتمعنا! فرغبة كل واحد فينا الأنانيه للتملك قد أثبتت فشلها في التحرك في مسارات تحقق لنا طموحاتنا المستقبليه والتي من شأنها أن تصب في المصلحه الوطنيه العليا... إلاّ أن ثقافة التملك (بالمفهوم المنتج) المغروسة في المواطن في الدول المنتجه قاطبة قد حققت لهم نجاحات قطعت بهم أشواطاً كبيره في تحقيق المستقبل الزاهر لأجيال تلك الدول.... فالفرق بيننا وبينهم أن الرغبه والشعور بحب التملك لديهم كانت دائماً ممزوجة ومطعمة بالحب الفطري لتحقيق الصالح القومي، أما رغبتنا في التملك لاصطياد المنجزات (Credit Hunting) من وحي ثقافتنا والتي أدت بنا إلى تراجعات وخلق فجوات بيننا وبين المجتمعات المنتجه فكان سببها حب الذات والأنانيه المقيته التي لم تؤدي بنا يوماً للنهوض من حالة السبات التي نعاني منها منذ عقود منذ أن نلنا استقلالنا عن المستعمر... فلو أننا مزجنا محبتنا للتملك وإنجاز الأمور بمذاق (ولو محدود) لتحقيق الصالح العام لكنا رأينا مُخرجاً مغايراً لما بتنا عليه من السبات الأليم!!
إن تقدمنا نحو النجاح في الحصول على الطاقة النوويه يوماً سيكون له أكبر الأثر في حل الكثير من المشكلات التي بتنا كمجتمعات وكدول نعاني منها على مر الأيام والأزمان... إن هذا الموضوع يتطلب تظافر الجهود والترفع عن الصغائر والتحلي بروح التسامح لا أن تكون رغبتنا في الإنتقام ممن لا نحب وتحييدهم هي الروح السائده فنستمر في دفع الأثمان الباهظه وقهر الأجيال الطامحه ودثر المنجزات التي إن لم نستغلها في طاقات الآخرين وفي الوقت المناسب فإنها ستذهب معهم عند ذهابهم ففترة بقاء كل واحد فينا على هذا الكوكب مهما طالت إنما هي فترة وجيزه من عمر هذا الكون... فلنترك لأجيالنا أشياء من بعدنا تسجل لنا في تاريخنا على أننا حققنا لهم شيئاً من نجاح بدل أن تسجل علينا الأجيال القادمه عثرات الفشل الذي انغمسنا به وأبينا إلاً الصمود في متاهاته لتحقيق أمور ليست من الأمر في شيء سوى أنها باتت من أتونات الأنانيه المقيته التي كانت هي من أسباب عجزنا وتأخرنا الذي طال أمده!...
إلاً أن حصولنا على الطاقه النوويه يجب أن لا يكون من الأمور التي تتحقق ضد رغبات الجمهور أو إحداثاً لمخاطر لهم الحق في التوجس منها... فلا يجوز لنا كأفراد أو كمجموعات أن نتخد قراراً مصيرياً ترتبط به حياة وسلامة الآخرين وندعي بأننا نحن الخبراء وهم الذين لا يعلمون فقد رآى كل واحد فينا مدى الضرر الذي يمكن للحادث النووي (Nuclear Accident) أن يحدثه بفعل فاعل أو عن طريق الكوارث الطبيعيه، ونستمر في رأينا دون أن يكون لذوي العلاقه من الأحياء أي دور يذكر... فالدول المتقدمه صناعياً وثقافياً لا تقدم على مشاريع مصيريه كالتي ننشدها دونما استفتاء وطني عام سواءاً في اختيار المفاعل من حيث الكلفه التي ستترتب على اقتصادنا الوطني كنتيجه حتميه لذلك أو في اختيار المكان (أو الأمكنه) التي نبني عليها مفاعلاتنا؛ فالبشر القريبين من مصادر للطاقه كهذه من حقهم الإعتراض عليها لآن لديهم مخاوف لم ننجح بعد (على ما يبدو) في إزالتها من قاموسهم، وتكولسنا حول أنفسنا وتقوقعنا فازدادت مخاوف الناس سوءاً، وكان حقاً علينا التعامل مع مثل هذه الأمور بالشفافيه المطلوبه وسن القوانين التي تحفظ للناس حقوقهم في حال وقوع الحوادث مستقبلاً أو تعويض آولئك النفر من الناس الذين بعد كل محاولاتنا لإقناعهم بسلامة الطاقه النوويه (إن هي أديرت بالشكل المطلوب) عن أثمان بيوتهم وأراضيهم إن هم اختاروا الرحيل عن المناطق التي يقطنون (أو توفير بدائل عادله لهم) طريقاً لهم كبديل شرعي لتحقيق الأمان والطمأنينه لهم إن نحن استقرينا قسراً على خياراتنا للأمكنه التي نقيم عليها مشروعات طاقتنا المستقبليه.