تحاشي فلسطين والتباهي بها انتخابيا
ياسر ابوهلاله
10-11-2007 02:00 AM
تميل أكثرية المرشحين إلى تحاشي فلسطين مفردة من مفردات الدعاية الانتخابية . سواء من بغيابها عن الشعار تماما أو استخدام عبارات فضفاضة لا تثير جدلا من قبيل قداسة حق العودة ، وقل أن تجد من يحدد موقفا صريحا من التطورات التي تمر بها القضية من أوسلو إلى أنابولوس المزمع . فلا تجد من يقول مثلا " دعم أنابولس سبيلا للدولة الفلسطينية " أو شعار " عاصمتنا القدس لا لأنابولس " . فالمرشحون يعتقدون أن الموقف السياسي ليس أولوية للناخبين لكنه قد يلعب دورا سلبيا . فليس أسوأ من إطلاق كلمة " تطبيع " على مرشح . مع ذلك للقضية الفلسطينية جاذبيتها فتجد مرشحا سبق وحصل على أعلى الأصوات في دائرته يستخدم صورا له وهو يدوس على العلم الإسرائيلي ، مع أنه أعطى الثقة لحكومات تعترف بإسرائيل وترسل سفراء لها . جبهة العمل الإسلامي تعتمد خطابا دينيا لم يتغير ولا تزال له جاذبيته فلا داعي للدخول في تفاصيل السياسة بما أن فلسطين " وقف إسلامي ".
تتباهى جبهة العمل الإسلامي ببطولات حماس وشهدائها ويفيدها انتخابيا ، بقدر ما يستهدف مرشحوها على الخلفية ذاتها . فمع أن قرار الحسم في غزة لم يكن للحركة الإسلامية خارج غزة دور فيه إلا أنها تجني غنمه وتدفع غرمه . ليس هذا فقط ، بل أن مرشحين يستخدمون التفاصيل التنظيمية بين حماس والإخوان لتشويه صورة مرشح إخواني باعتباره " معارضا لحماس " ، وتكاد تقلب على ظهرك من الضحك عندما يصدر الاتهام ممن بنى ثروة من تصفيح السيارات لدى العدو الإسرائيلي وبيعها للأميركيين في العراق .
يظل الاستخدام الأسوأ للموضوع الفلسطيني في اللعب على الغرائز وصناعة إحساس بالغبن والمظلومية لدى شريحة واسعة من المواطنين . فهذه الصناعة سهلة ومدمرة في آن ، فالتحريض هو فاتحة العنف . وللأسف فإن صناعة التحريض تجد سوقا في الموسم الانتخابي تماما كما سوق السيارات المصفحة أيام الحروب . وعلى قلة محترفي تلك الصناعة يبدو دورهم مقدمة لتدمير وخراب قد يصل إلى مجلس النواب المقبل .
يقال كلام كثير في بناء دولة المواطنين والمؤسسات والعدالة والقانون والتنمية والمساواة ، كلام ضروري ومطلوب عندما يتعامل مع المواطنين بشكل جامع لا بتقسيمهم على أسس عنصرية ظالمين ومظلومين . كنت في دمشق وقابلت قادة حركة حماس وشاركوني القناعة بخطورة استخدام القضية الفلسطينية لشق الوحدة الوطنية . وهم يؤكدون أنهم لم يتدخلوا في السياسة الداخلية لأي بلد ولن يتدخلوا ، لكنهم يدركون أن العدو لن يمل من محاولات إشعال الفتن في فلسطين وخارجها .
تظهر استطلاعات الرأي أن السياسة تغيب لصالح العشيرة ، أي أن العقل وخيارات الإنسان الحر التي يقررها بناء على الأفكار والبرامج تغيب لصالح الغرائز والعلاقات الموروثة غير المكتسبة . ونتيجة لذلك تبدو الثقة في أداء مجلس النواب منهارة ، ومع ذلك يصر الناس على اعتماد السلوكيات ذاتها في الانتخابات . تماما مثل المدمن على التدخين يستمتع به وهو يعلم مدى الضرر الذي يفتك به . عندما تغيب السياسية تغيب معها كل القيم السامية بما فيها القضية الفلسطينية وحقوق الإنسان والإصلاح والعدالة .. وإن حضرت فتستخدم بشكل ينحط بها مادة للتحرض والشرذمة .
بذل جهد هائل لإسقاط المجتمع في هذا الدرك . والنهوض يحتاج إلى جهود أكبر ، ليست جهودا تبذلها حكومات ، بقدر ما يبذلها أفراد . يستطيع كل واحد أن يسأل نفسه لمن أصوت ؟ تعديل السلوك الانتخابي على مساوئ قانون الصوت الواحد المجزوء يظل المدخل الأساسي للنهوض من القاع . وإلا فإن القاع دونه قاع بلا قرار .
www.maktoobblog.com/abuhilaleh