لغو الحديث في المكرمات في خطبة الوداع للحكومه!! ..
د. محمد الخصاونه
12-08-2012 03:44 AM
ما أن تقرأ ما خطّت الأقلام في السطور عن حديث المكرمات الذي هم فيه منشغلون لأدركت ما باتت تسعى إليه طبقة من المجتمع لا هم لها سوى مصالحها الشخصيه ولو على أنقاض الآخرين... فهم لم يقدموا يوماً أحد أبنائهم في خدمة الوطن أو ذوداً عن حماه... فتجدهم يبحثون عن الثغرات التي بها يتجنبون دفع ما يستحق عليهم من ضرائب... وهم الذين يدفعون الرشى ما طاب منها وما لذ لتجنب دفع مستحقات ما يجمركون به وارداتهم (الشخصيه والتجاريه) ومخالفات ما هم يرتكبون... وهم الذين لهم الرساميل العاليه فتجدهم عن دفع الزكاة هم عنها معرضون... وهم الذين باتوا يتركون فلذات أكبادهم في الطرقات فلا تربية لهم ولا إرشاد فخلقوا جيلاً لا هم من الأناثي هم معروفون ولا للذكور هم بمنتمون... وهم الذين سيبوا بناتهم على بوابات المدارس من دون رقيب على سلوكيات بناتهم ولا عتيد فأضاعوهن بهتاناً مبينا وصدوا (أي أولياء الأمور من الضالين) محاولات مديرات مدارسهن لهديهن علهن يرشدن منهن إلى طريق الصلاح سبيلا... فباتت المدن تعج بهم ومن كثرة البهرجه بتتّ تجد منهم من كبرى العائلات من تولد من صلبها المجرم والسارق والمنحرف والمتحول والمتشبهون بالنساء من الرجال والمتشبهات بالرجال من النساء لا من ضائقة من عيش بل من إفسادٍ في عيش من كثرة ما باتوا يسرفون... فأصبحوا ممن لا يعرفون للإنتماء طريقاً ولا للخلق القويم منطقا ولا لدين حنيف مذهبا... بتنا بعدها نتوسل بأكف الضراعة إلى دول استعماريه مستنجدين علها تخفف عنا محنتنا أو تنصرنا من دون الله أو أن نجد على طريق الضلالة هدى!! أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (البقره 16)...
لقد بتنا لا نرى أن سبب مشاكلنا في الفاقة والإنحلال هم ليسوا من أبناء العسكريين والمحتاجين والفقراء والمساكين بل إنما أبناء الطبقة الموصوفة آنفاً الذين عاثوا في الأرض الفساد.... فباتت طبقتهم تريد أن تزيد الفقير فقراً والغني غنىً... فباتت هذا الطبقه تسير على غير ذي هدى في ظلمات البرق والرعد تشكو من المكارم التي خصصت لأبناء الفقراء من الطبقات التي سحقها هذا المجتمع المتداعي وباتوا يتذمرون من وجود أبناء الطبقه الأقل حظاً على مقاعد الدراسه مع أبنائهم الذين هم في ابواب الفساد هم فيه منهمكون...... فعلى ماذا يَحسِدُ هؤلاء أبناء الطبقه الفقيره من الناس؟! فهل نحسدهم على تواجدهم في نظام تعليمي منهار أم نحسدهم على علوم بليت تُطرح في الجامعات باتت لا تسمن ولا تغني من جوع!!! أم نحسدهم لآنهم لم يكن بمقدورهم توفير الحصص الإضافيه والمعاهد التي باتت تدرس الأسئله السابقه من امتحانات التوجيهي عبر السنوات فيبصمها أبناء الطبقه الميسوره ولا يجد إليها أبناء الطبقه الأقل حظاً سبيلاً!! أولم يدرك أبناء الطبقه الفاسده الذين لا يريدون للفقراء مكاناً بين أبنائهم بأن النجاحات الزائفه (من تفوق هنا أو معدل مرتفع هناك) التي حققها أبناؤهم في امتحان الثانويه العامه (التوجيهي) إنما كان سببه توفر الإمتحانات السابقه في المعاهد لأبنائهم وحسب! فهل وفرنا بديلاً مثيلاً للفقير ثم حاسبناه عليه قبل أن نحسده على دنياه التي فيها معاشه... فلربما كان أجدر بنا أن نحسده على أخراه التي إليها معادنا، فلربما وجدنا هنالك شيئاً يكون سبباً حقيقياً لوجود مثل هذه النظره التي لا خير فيها من طرفنا تجاه الآخرين!!
إن كل أسره من الطبقة النظيفه في المجتمع باتت (على السليقه) تعرف معنى الإنتماء وآيثار الآخرين ونكران الذات وتقديم الفزعه الحقيقيه المليئه بالمروءة عند الحاجه... فما من أسرة منها إلاّ ولديها ولد في الجنديه أو قدمت شهيداً للواجب أو أنها تجد من يناصرها من طبقات وفئات في المجتمع أخرى (بقي فيها خير) بدت ترى مدى الظلم والإجحاف الإجتماعي الذي تعاني منه الكثير من الأسر التي حرمت معنى السعاده الأسريه... تلك السعاده التي لا تبنى بالضروره على الأموال من خلال البذخ والترف... بل هو الحرمان الذي يكون سببه غياب أحد الوالدين بسبب الوفاه أو بسبب طبيعة وظروف العمل الذي يلقي بظلاله على أفراد الأسره مجتمعة... فالأسر الغنيه التي حرمت من وجود أحد الأبوين بسبب وجوده في الغربه لجمع المال تعرف معنى خطورة الضياع الأسري الذي يعوض في الغالب من خلال المردود المالي الذي تم جمعه من أتونات الغربه... ولكن ماذا عن الفقير الذي افتقد والده الذي ذهب شهيد الواجب أو أنه لا يراه حوله إلاّ في المناسبات القليله ومن ثم لا يتم تعويض مثل هذا الغياب الأبوي لا مالياً ولا أسرياً!!!... فهل فوق كل ذلك نقوم بمحاسبة وحرمان وانتقاص نصيب من لم يجد أباً فوقه ليراقبه ويرشده ويتابع دراسته أولاً بأول ومن ثم نجده كثيراً عليه أن نمنحه شيئاً من فرصه لأنه وبعد كل هذا الحرمان لم يكن بمقدور والده توفير المال له للدراسه والتقويه في معهد أو لدى مدرس خصوصي للماده المقصر ولده بها؟؟! فأين العداله الإجتماعيه المطلوبه حتى يكون هذا المجتمع المتشتت متماسكاً متلاحماً متكافلاً متكاتفاً؟؟
إن الحديث المتواتر عن موضوع إلغاء المكرمات من قبل أناس لم يكن لهم ضلع في منحها إنما هو انعكاس عن قلة خبرة وسوء درايه بالأمور، أو ترجمة لانتماءآت مشبوهه لقوى خارجيه إنما أرادت بنا السوء... فالوضع السائد في المجتمع إن أردنا التطرق (وإن كان بنية سليمه) إلى مثل هذه الأمور ليس مواتياً للحديث عنها، والأوضاع الإقتصاديه الراهنه ليست على النحو الذي يمكن عليه تقبل نوع الحديث الدارج؛ هذا ناهيك عن الأوضاع السياسيه التي تتطلب تكاتف وتكافل الجهود للحفاظ على تماسك النشيج الوطني وتوفير راحة البال للعيون الساهره على حمى الوطن لا أن نشغلها بأمور ليس الوقت لها لأن تطرح... لقد كان الأجدر بنا التفكير بما يمكن تقديمه أكثر وعلى نحو أفضل لأكثر طبقه في المجتمع مستعده للتضحيه بحياتها من أجل الحفاظ على حياة ومصالح الآخرين من الزوال... فقد كان من الممكن مثلاً الحديث عن الحد من أعداد الطلبه الذين يمكن قبولهم في الجامعات (بشكل عام) في ظل أوضاع سوق العمل السائده... وكان يمكن أيضاً الحديث عن تحسين نوعية التعليم في الجامعات ورأب الصدع لمن كانوا هم أقل حظاً عند قبولهم تحت بند المكرمات... لقد كان مواتياً الحديث أيضاً عن توفير ظروف أفضل لأبناء آولئك الأقل حظاً حتى نضع حداً للحظ المنقوص لآولئك النفر من الناس ونخرجهم إلى نور الذين هم أكثر منهم حظاً بتوفير فرص التدريس الإضافي والمعاهد الخاصه والدروس الخصوصيه، إلاّ أن شيئاً من ذلك ومع كل أسف لم يطرح!!!... إلاّ أنه لم يكن من المناسب بمكان البدء بالحديث عن قطع دابر تلك الفئه المُستَهلَكه من الناس الذين لن نفيهم حقهم مهما قدمنا لهم من تضحيات من مفهوم قاموسنا نحن، إذ أننا بتنا لا نفهم ولا ندرك (على ما يبدو) مدى المعاناه التي تحتها يرزحون!!
إن الفئات الأقل حظاً في الدول المتقدمه اقتصادياً وصناعياً تُعطى الفرصة كاملة غير منقوصه وتوفر لهم الإستثناءآت والصناديق الداعمه والأولويات في التوظيف وغيرها طالما أنها اعتبرت من الأقليات... فأفراد القوات المسلحه (بكافة مرافقها) هناك، والسود (الزنوج) مثلاً والجنس الآخر (العنصر النسائي) على كافة مستوياته وآولئك من أصول إسبانيه ومكسيكيه (Hispanic)، هذا ناهيك عن فئات التفوق الرياضي الذين لا يكونون بالضروره من الفئات الأقل حظاً (من الناحيه الإقتصاديه) في المجتمع، في الولايات المتحده يمنحون أولويات مختلفه في القبول في الجامعات وفي منح القروض ومنح الهبات والتوظيف فلا يُتركون تحت المعاناه طالما هم مواطنون لذلك البلد، وحتى ابن السبيل في ذلك البلد فإنه يلقى له نصيباً مما آوتوا جزاءاً وفاقا... أما الفئه المستثناه من أي امتيازات في ذلك البلد فهم بحق السكان الأصليين ألى وهم الهنود الحمر الذين هضمت حقوقهم كما هضم حق المواطن الفلسطيني تحت الإحتلال... وهنالك أمثله أخرى تجد لها وجوداً في بلدان أخرى كثيره عن كيفية احتواء الطبقات من الناس الذين هم من الفئات المسحوقه أو الأقل حظاً في تعويضها عما هي فيه من معاناه ومكابده...
إلاّ أن الأكثر غرابة في الأمر من وجهة نظر بلدنا أن يبحث النائب المرفّه في البرلمان أو الوزير المدلل في مركزه أو أستاذ الجامعه الرابض في وظيفته عن زياده لهم في راتب في الوقت الذي يتقاضون فيه علاوات على الرواتب أو ما بات يسمى علاوات الندره بما يعادل راتب ضابط برتبة رائد في مرتبات القوات المسلحه لكل علاوة منها!!... فأي الفريقين أحق بالأمن؟ من يطلب أو يتوقع لفلذة كبده مقعداً في جامعه أمّن يطلب له زيادة في راتب فوق وفرة في عيش هو بها متمتع؟؟؟ أليس من العار بمكان البدء بالحديث عن مساواة في رواتب أعضاء الهيئه التدريسيه في الجامعات الأمر الذي يتطلب موازنات إضافيه باهظه باتت الدوله مطالبه بآيجادها ونترك أبناء الفئات الأخرى لا حول لهم ولا قوه؟؟ أليس من الجنون بمكان مطالبة الدوله والقياده بتمويل مشاريع بحثيه في الجامعات بملايين الدراهم والدولارات (لا تعد تنمويه بعد) ونطالب القياده بإلغاء المكرمات برمتها؟؟؟؟ فهل بتنا (دونما استحياء) نحقق كل هذه الأمنيات التي نحلم بها (Wish Lists) بالكامل على حساب الطبقات الفقيره؟؟؟
لقد كان من الأجدر بمكان التحدث عن استغلال هذه المنح والمكارم على أفضل نحو ممكن لضمان وصولها للمستفيدين الحقيقيين من أصحابها، ومحاسبة رؤساء الجامعات والوزراء المذنبين الذين كانوا (وربما لا زالوا) يستغلون قوائم الديوان الملكي والقوات المسلحه وغيرها لزج أشخاص ليسوا من أبناء تلك الفئات وإدخالهم الجامعات مقابل عطايا تقدم لهم (أو لمديري القبول والتسجيل لديهم) أو رشاوى تصل إلى حساباتهم البنكيه خالصة مصفّاه (ومدفوع عنها الزكاه!!)!!! فكم من قصة هناك يمكن إثباتها عن سوء استغلال لهذه المنح والمكارم لو أردنا إلى ذلك سبيلا!! ثم إن العديد من المستفيدين من منح الديوان الملكي أو المنح العسكريه أو منح المعلمين وأبناء المخيمات بات لا ينتهي أمرهم في القبول في كليات الطب أو الهندسه أو الصيدله كما هو موصوف في لغو الحديث على كافة الأحوال.... فتجد الكثيرين منهم قنوعين بما قسم الله لهم في قسمتهم، فلماذا إذاً نخوض في الحديث عن دخولهم إلى كليات الهندسه والطب وغيرها بينما الأعداد التي ينتهي أمرها في تلك الكليات باتت أعداداً محدوده جداً بطبيعتها!!
لقد بات من الضروري بمكان البدء بالحديث عما يمكن للتعليم العالي توفيره لآولئك النفر من ذوي الحظ الأقل لرأب الصدع في خلفياتهم التعليميه، وما ينطبق هنا ينطبق بطبيعة الحال على طلبة البرامج الموازيه (التي أعدت للأغنياء) التي آن الأوان لإزالتها حتى تعود الجامعات إلى سابق عهدها في توفير ما للتعليم العالي من جوده يمكن توفيرها، وما يمكن عمله في الجامعات للحد من ظاهرة العنف الجامعي التي ما فتئنا نعاني من وجودها ولا تجدنا نفعل إلاّ الشيء اليسير للحد منها والقضاء عليها! فلا يمكن لوزراء التعليم العالي الجلوس في مكاتبهم أو في أمان وراحة بيوتهم لا يأبهون للخراب الذي بات يطال الجامعات دون أن يحركوا ساكناً بينما تراهم مهمين مستهمين في الحديث عن المؤامرات الخارجيه (التي بات يتكشف بأنهم جزء منها) التي تحاك ضد مصلحة البلد وعن الضرر الذي يصيب الإقتصاد الوطني ونوعية التعليم الجامعي إن نحن تركنا الباب مشرعاً على مصراعيه في وجه الهبات والمكارم الملكيه..... لقد آن الأوان لوضع حد لهذه الفتنه التي يراد بها تأليب الرأي العام ضد القياده والدوله بينما النيه المعلن عنها تكون في الغالب نية حسنة نظيفه باتت كلمة حق أريد بها باطل وإلحاق الضرر بالأمن الوطني وإحداث صدع في النسيج الإجتماعي برمته!!
لقد آن الأوان للبدء بالحديث (الذي يؤدي إلى أفعال) عن خطط واعده (Action Plans) واقعيه قابله للتطبيق للنهوض بالتعليم العالي وتحقيق الجوده المرجوه في مطابقة احتياجات السوق ونوعية التعليم وحداثته، وعن فرض معايير ومقاييس لقياس مدى جودة المخرج... لا أن نؤجل النظر في عقد امتحان الكفاءه الجامعي ونترك الجامعات في وضعها المترهل تمخر في موج الزمان على حالها إلى أن يشاء الله ونحن مستمتعون محافظون على مواقعنا وكراسينا دون أن يصحو فينا الضمير ويهتز لنا جفن... فهذه الأمه في طريقها إلى الإندثار إن لم نجد فينا من يضع حداً للمستهترين الذين دأبوا على خداع القياده والدوله والناس أجمعين ثم هم يمكرون، وإن وجدوا طريقاً لخلق الفتنه فهم في ذلك باتوا مستمرون!!!!