العودة لإملاءات الصندوق .. فهمي الكتوت
11-08-2012 01:25 AM
بدلا من طرح سياسات اقتصادية وطنية تخرج البلاد من أزماتها، واصلت الحكومة نهج الحكومات المتعاقبة الذي أسهم بتعميق التشوهات الهيكلية للاقتصاد الوطني، وأغرق البلاد بالمديونية، وكلف الشعب الأردني ثمنا باهظا، بفضل إملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين. فقد بذلت الحكومة جهدا استثنائيا للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 2 مليار دولار على 36 شهرا لدعم ما يسمى برنامج الإصلاح الاقتصادي خلال الفترة ما بين 2012- 2015 ،وبهدف تغطية العجز المتفاقم للموازنة، على أن تلتزم الحكومة بإجراء تعديلات في السياسة الضريبية، ورفع أسعار الكهرباء والمحروقات. وسيحصل الأردن على 800 مليون دينار خلال الشهرين القادمين ويصرف الباقي على مراحل خلال فترة البرنامج، على أن يخضع لمراجعات ربع سنوية من قبل الصندوق لتنفيذ شروط الصندوق
واهم من يعتقد أن الحكومة حققت انتصارا بإقناعها إدارة الصندوق في الحصول على القرض، رغم الجهود المضنية التي بذلتها مع إدارة الصندوق للحصول على الموافقات المطلوبة، و رغم الصعوبات المالية، إلا أن البلاد بحاجة إلى إعادة نظر بالسياسات المالية والاقتصادية، أكثر مما هي بحاجة إلى القروض، فقد أصبحت خدمات المديونية تشكل عائقا كبيرا أمام تحقيق تنمية حقيقية، ناهيك عن الأثمان السياسية الباهظة التي تدفعها البلاد والتي تمس سيادتها الوطنية وتعرض الأوطان لأفدح الأخطار، كالانصياع للضغوط السياسية والاقتصادية لتمرير سياسات تصب في مصالح الكيان الصهيوني والاحتكارات الرأسمالية، وتعرض أمن واستقرار المنطقة للخطر، وقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن دور محوري للأردن ضد سورية، كشرط لتسهيل وصول المساعدات الخليجية.
لقد نجحت الاحتكارات الرأسمالية في استدراج معظم الدول النامية بالوقوع في فخ المديونية، ضمن رؤيتها السياسية في الهيمنة على العالم، لإخضاعها للابتزاز السياسي والاقتصادي، بعد تحميلها أعباء تفوق قدراتها، بسبب الإفراط بالإنفاق الاستهلاكي، لتقف عاجزة عن تسديد "خدمات المديونية " أقساط وفوائد، مما تضطر إلى المطالبة بإعادة جدولة ديونها، والسعي للحصول على قروض إضافية لتغطية الفوائد المستحقة. ومن هنا تبدأ إملاءات الصندوق المعروفة، والفصل الأول منها الوصول إلى تفاهمات "إملاءات" مع الصندوق للحصول على " شهادة تأهيل" لإعادة جدولة الديون، وللشهادة ثمن باهظ... إخضاع هذه الدول إلى ما يعرف في " برنامج التصحيح الاقتصادي" الهدف المعلن منه تخفيض عجز الموازنة، وتصويب التشوهات الهيكلية في ميزان المدفوعات والحساب الجاري... لا خلاف على مبدأ تخفيض العجز والإصلاحات، فهو استحقاق ضروري لمعالجة التشوهات الهيكلية للموازنة، وكذلك تصويب التشوهات الهيكلية في الاقتصاد الوطني كافة، لكن كيف ... ومن يدفع الثمن؟ هل الفقراء وحدهم ؟ والأثرياء ينعمون بزيادة ثرواتهم. إن تجربة العقدين الماضيين في بلادنا ماثلة أمامنا، حيث خضع الاقتصاد الوطني لبرنامج "تصحيح اقتصادي" طويل منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، تحت إشراف وإملاءات الصندوق ترك آثارا سلبية على الوضع الاقتصادي وأرهق الفئات الشعبية
لقد استنزفت هذه السياسات طاقات وإمكانيات الشعب الأردني، والشعوب العربية التي تورطت بالنهج نفسه، وجاءت الثورات العربية والحراكات الشعبية احتجاجا على هذه الإجراءات التي يمليها صندوق النقد الدولي، من خلال سياسة التكيف وإعادة الهيكلة التي يفرضها على اقتصادات هذه البلدان وهي روشيتة معروفة فرضت على الدول التي مرت بهذه التجربة. حزمة إجراءات اقتصادية تبدأ بإزالة أشكال الدعم الحكومي على السلع والخدمات الضرورية كافة، وتخفيض النفقات الحكومية في مجالات الصحة والتعليم، وفرض ضريبة إحلالية " ضريبة المبيعات" بدلا من ضريبة الدخل التصاعدية، وتحرير أسواق المال وتحرير التجارة الداخلية والخارجية، وإزالة الحواجز الجمركية أمام انسياب السلع الأجنبية كافة، ورفع الدعم عن المنتجات الوطنية، وإزالة أشكال الرقابة كافة على الأسعار، وتأمين الحرية المطلقة لحركة رأس المال، وتختتم هذه الإجراءات بإخراج الدولة نهائيا من النشاط الاقتصادي، والتخلي عن مؤسسات الدولة باسم التخاصية وتشجيع الاستثمارات الأجنبية. هذه الإجراءات كفيلة في احتواء البلدان النامية، وإخضاعها للتبعية السياسية والاقتصادية، وتمركز الثروة بأيدي حفنة من الأثرياء، وانتشار ظاهرة الفساد، مقابل اتساع دائرة الفقر والبطالة، وحرمان غالبية السكان من الخدمات الصحية، وحصر التعليم في أبناء الطبقات الميسورة في المجتمع، هذه الظاهرة يمكن مشاهدتها بشكل واضح في البلدان التي شهدت ثورات وحراكات شعبية وشكلت سببا جوهريا من أسباب هذه الثورات الشعبية.