المشاركة هي عنوان المواطنة وأساس العملية الديمقراطية .
في حديث متلفز جميل وممتع ومقنع ربط جلالة الملك عبدالله الثاني بين الربيع العربي وإجراء الانتخابات النيابية قبل نهاية العام أي أنه اعتبر إجراء الانتخابات قبل نهاية العام أحد استحقاقات الربيع العربي كالاحتجاجات والمطالب الشعبية التي جاءت على أثره.
ورغم تمني الملك -في حديثه لمحطتين أمريكيتين- على جماعة الاخوان المسلمين المشاركة في الانتخابات واغتنام فرصة التغيير من تحت قُبة البرلمان إلا أنه جزم بأن مشاركة الاخوان من عدمها لها علاقة بالوضع الداخلي للجماعة.
بل ذهب جلالة الملك في التحدي بتأكيده التحليلات المتداولة أن "الاخوان لا يريدون المشاركة في الانتخابات خوفا من النتائج ، بمعنى أنهم لن يحققوا نتائج طيبة".
لا أعتقد أن كلام جلالة الملك سيُعيد جماعة الاخوان المسلمين إلى صناديق الاقتراع، لأسباب كثيرة كتبنا فيها وعلى رأسها: أن الجماعة قطعت علاقتها الاستراتيجية بالنظام الملكي وأصبحت منافسة له في الحكم وهذا واضح من ربطها المشاركة في الانتخابات باجراء تعديلات دستورية تحُد من صلاحيات الملك، وهي قضية مختلفة تماما لا يجوز ربطها بالانتخابات.
ما يهمنا هنا أن الرسالة الملكية وجّهت بوضوح وفي وقت مناسب في اليوم الثاني للتسجيل للانتخابات. لكن الأهم أن هناك إصراراً على إجراء الانتخابات النيابية قبل نهاية العام وجعل نتائجها مرهونة بتشكيل الحكومات البرلمانية وهو مطلب لجماعة الاخوان المسلمين، ويمكن الارتكاز عليه للعودة عن المقاطعة باعتبار أن طالب الاصلاح السياسي "يريد العنب لا مقاتلة الناطور".
لا يمكن لأي نظام سياسي -يحترم نفسه- أن يفصل قانون الانتخاب أو أي تشريع آخر على مقاس قُوى سياسية معينة، (موالية / معارضة)، وجعلها تغتنم الفرصة للسيطرة على الجمهور، وكذلك لا يجوز لحزب أو أكثر أن يصِّر على احتكار حق التمثيل السياسي وفرض شروطه على الدولة أو على الأردنيين، وهذا ما قاله الملك "أريد قانون انتخاب عادل لا مصصماً على مقاسكم".
من هنا تأتي دعوة جلالة الملك لجماعة الاخوان المسلمين للمشاركة في الانتخابات المقبلة باعتبار أن المشاركة هي عنوان المواطنة وأصل العمل الإصلاحي. بل إن أساس العملية الديمقراطية لا تقوم إلا على احترام حقوق الإنسان ودولة المؤسسات وتداول السلطة على أساس حكم الاغلبية، أما التنظير للديمقراطية بالقفز على الواقع فإنه لا يعني سوى العبث وعدم الجدية في الوصول إلى الهدف.
يجب الاعتراف بأن هناك إصلاحات حقيقية في المملكة تمثلت بـ التعديل الكبير على الدستور تجاوز المطالبة بدستور 1952، وكذلك قانون الأحزاب ( فرغم الملاحظات إلا أنه أفضل من سابقه) وقانون الانتخاب والهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات ونقابة المعلمين، وأغلبها كان أحلاماً تحققت... وما نتمناه أن تتنبه "الجماعة" إلى تحذير الملك من " الانسلاخ عن العملية السياسية".
nghishano@yahoo.com
العرب اليوم