كما يقول المثل: "من أول غزواته كسر عصاته"! وفي تغاض إعلامي مريب، منعت مذيعة غير محجبة من إدارة حفل تسليم السلطة في ليبيا، مع أن الإعلام أخبرنا أن من فازوا واكتسحوا في الانتخابات هم الليبراليون، وأبسط مبادئ الليبرالية هو الحرية الفردية في المظهر والجوهر. وفي الليبرالية الدارجة عربيا، فإن الليبرالية تعني معاداة القيم الإسلامية، وخصوصا ما تعلق بالمرأة. ما هذا التغاضي؟ لو أن الإسلاميين هم من تقدموا في الانتخابات، لسمعت من يطالب بإعادة القذافي وحارساته الشخصيات ردا على الفعل الشنيع.
بحسب الأخبار، فإن المذيعة أرغمت على ترك القاعة، وتولى أعضاء من المجلس الوطني تقديم الحفل.
وقال مصطفى عبدالجليل، قبل أن يلقي خطابه خلال حفل تسليم السلطة إلى المؤتمر الوطني العام الذي انتخب أعضاؤه في السابع من تموز (يوليو) الماضي: "نحن نؤمن بالحريات الفردية، وسوف نعمل على ترسيخها. لكن نحن مسلمون ومتمسكون بقيمنا. يجب أن يفهم الجميع هذه النقطة". وقالت وكالة الأنباء الفرنسية إن الحادث مر بشكل عابر، ولم يلاحظ معظم الحضور ما جرى، كما لم يفهموا الملاحظة التي أدلى بها عبدالجليل.
حقيقة، إن ما حصل إنجاز ليبرالي. ونقل السلطة إنجاز تاريخي يسجل لعبدالجليل ومحمود جبريل وعبدالحكيم بلحاج، وكل من ساهم في الثورة الليبية. أما موضوع حجاب مقدمة الحفل، فلا يقلل من تاريخية ما حصل.
لم يقل المجلس الانتقالي إنه هو من حرر البلاد والعباد. القذافي ضابط تافه، نفذ انقلابا وسماه ثورة احتكرت البلاد أربعة عقود. هؤلاء ثاروا ثورة مجيدة أريقت فيها دماء آلاف الأحرار، وسلموا السلطة بسلاسة.
في الثورة الليبية وما أسفرت عنه انتخاباتها، ما يجيب عن كثير من الأسئلة ويدعو للاطمئنان. فعلى الرغم من سياسة التجهيل المنهجي التي اتبعها العقيد، مارس الشعب اختيارات متنوعة. ففي القائمة يصوت لتحالف جبريل، وفي الفردي يصوت للإسلاميين، وفي البلديات يصوت لهم. فتقدير نضال الإسلاميين في الثورة وقبلها لا يعني التسليم لهم بكل شيء؛ لا بد من قوة مقابلة لهم تحقق التوازن وتكسر الاحتكار.
الثوار الجهاديون لم يحرقوا صناديق الاقتراع، ولم يمارسوا التشهير والتحريض والاحتراب؛ قبلوا بالنتائج، ومنهم من ذهب إلى سورية مواصلا جهاده في سبيل تحرير الشعب السوري. تحالف جبريل، ومع كل التساؤلات حول ليبراليته، تصرّف بمسؤولية وعقلانية واحترام للخصوم. وهذا لا يقلل من صعوبة الاختبار الليبي، ولا يقلل من التفاؤل بنجاح التجربة.
إن نجاح الإسلاميين في ليبيا يكمن في وجود قوة وازنة مقابلة لهم. صحيح أن تحالف جبريل فضفاض وقبلي ومناطقي، وفيه فلول قذافية، لكن هذا لا يمنع من تطوره فعلا في المستقبل إلى تحالف ليبرالي. وهو تحالف غير معاد للهوية والدين. والإسلاميون في ليبيا سيشكلون الكفة الموازية التي تحقق التوازن. وبذلك تنشأ حياة سياسية صحية، تسمح بنشأة أحزاب أخرى تكسر الثنائية التي قد تكون مشكلة مستقبلية.
إن من حق البشر في العالم العربي، بألوانهم الفكرية والسياسية المتعددة، أن يعيشوا حياة طبيعية بعيدا عن احتكار السلطة أو الاحتراب عليها. وقد خطت ليبيا خطوة تاريخية في هذا الاتجاه. والمذيعة التي استبدلت تعرف جيدا أن عبدالجليل محافظ محترم، في المقابل فإن تحرر القذافي الزائف لم يمنع من ابتزاز النساء وتحويلهن إلى إماء لخدمة نزوات ملك ملوك أفريقيا.
yaser.hilila@alghad.jo
الغد