رمضان في ذاكرة معمري الكرك
09-08-2012 03:20 AM
عمون -محمد الخوالدة- لشهر رمضان في ذاكرة المعمرين من ابناء الكرك نكهة خاصة لايستسيغها الا من عاش تلك الايام الفضيلة بحلوها ومرها..حيث المودة والالفة بروح المبادرة من الجميع .
ابو سليمان الذي بلغ من العمر نيفا وثمانين عاما كان شاهد على هذه الايام،يقصها على كل من اطل عليه بالسؤال مستذكرا الايام الخوالي،لافتا الى المفارقات البائنة بين رمضان الامس ورمضان اليوم .
ابو سليمان الذي لازال بموفور صحته مشتد العود واضح الذاكرة يقول أنه عايش قسما كبيرا القسم الاخير من المواسم الرمضانية اما في بيوت الشعر او في قريته تاليا.
وحول ماهية الاختلاف بين الزمنين (الرمضانين ) يقول ابو سليمان بكلام يفوح منه الحنين لتلك الايام الجميلة لا يوجد مقارنة،فذاك زمان التدين الحقيقي وهذا زمان المظاهر والمفاخرة والاسراف الزائد عن الحد" مضيفا بعد تنهيدة غالبته أن " الزمان القديم هو زمان البركة والتواضع والتحاب المجرد من الغرض،وتابع ابوسليمان انه كان في زماننا الماضي فقر وغنى بائنان بونا شاسعا لكنه لم يصل حد التخمة للبعض والحرمان للبعض الاخر،فالفقير المعسر لم يشعر بالتحرج من فقره ولاتربكه الظروف المادية عند حلول شهر رمضان فافطار سكان بيوت الشعر المتلاصقة واهل القرية ذات الاسطح المتشابكة كان في معظم الاحيان افطارا تشاركيا،الكل يقدم ما في استطاعته،فلو اقيمت وليمة لضيف قصد هذه المضافة او تلك فثمة وليمة كبيره يطال خيرها كل اهل الحي دون منة او تخصيص سقط الطعام للبعض واجوده لبعض اخر.
ويضيف ابو سليمان الذي رفض أن التقط له صورة اثناء حديثه دون أن يوضح السبب .. وقد عدل من "قعدته" أن ما كان يحدث ساعة الافطار يتكرر ايضا عند السحور،فالاعتقاد القائم في ذلك الحين مستند إلى المقولة الشعبية المأثورة "لقمة هنية بتكفي ميه" دون أن يمن احد على احد،اما اليوم يقول ابوسليمان فاكثر الاغنياء يتفاخرون بثرائهم ورياشهم دون مراعاة لمشاعر المعوزين من الناس ويرى ابو سليمان أن بعض هؤلاء ابعد مايكونون عن الحديث النبوي الشريف الذي مفاده أن "لاايمان لمن بات شبعانا وجاره جائع"،وان قدم بعض هؤلاء كما يقول عونا ماديا فرياء وتفاخر، اما أن كانت الصدقة طعاما فليس اطيب مما لديهم ، بل تكون بقايا ضاقوا بها ذرعا".
وواصل ابوسليمان " بعض مقدمي الصدقات من الميسورين ورجال الاعمال يقدمون صدقاتهم بكشف وتوقيع فالهدف وثيقة تخفض رقم حسبة ضريبة الدخل مشيرا إلى أن الصدقات الممنونة التي تقدم اليوم على قلتها تدفع ببعض ذوي الحاجات إلى طلب المساعدة من مؤسسات العون الاجتماعي الرسميه والاهليه .
ويرى ابو سليمان انه اذا كانت لدى بعض الفقراء القدرة على اشهار حالهم فان كثيرين من الفقراء يتعففون عن السؤال وليس هنا امامهم من سبيل سوى الصبر ومكابدة الجوع .
وبعيدا عن الجانب المعاشي في رمضان يلفت ابو سليمان متحدثاً إلى مفارقة اخرى هي انفصال الناس عن بعضهم البعض حتى يخيل انهم في جزر معزولة,ويقول أن الناس قديما لم يكن امامهم بعد صلاة التراويح سوى الاجتماع في (شق) احد عليّة القوم او مضافته في القرية ليبحثوا في امور دينهم ودنياهم،لا كما اليوم ابواب موصدة على ساكنيها في مبنى قد لايعرف فيه الجار جاره .
ويختم ابو سليمان وهو يوجه يده باتجاهي " رافضا للمرة الثانية التقاط صورة له " هذا هو رمضانكم اليوم الذي تبددت فيه الاعراف والتقاليد وحتى مستويات الايمان والخشوع.