قطع رئيس الوزراء فايز الطراونة، قبل أيام، "شعرة معاوية" التي كانت تربطه بأحزاب مختلفة المشارب، وحركات إصلاحية؛ وأعلن بشكل حازم أن "لا تعديل جديدا على قانون الانتخاب".
الرئيس الطراونة أراد من خلال موقفه هذا إرسال رسائل إلى كل الأطراف، بأن لا يُتعبوا أنفسهم كثيرا، وأن لا يُرهقوا عقولهم في البحث عن حلول لمشاركة أوسع في الانتخابات المقبلة من خلال إقناع قوى سياسية فاعلة بالمشاركة. وهو أيضا أراد التأكيد، من جديد، أن ما جرى من تعديل على القانون في وقت سابق لن يتكرر بسبب معارضة جهات وازنة له.
استعجل الرئيس الطراونة قطع الشعرة التي تربطه مع الكثير من الناس. ولم يتعظ بما قاله الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان (هو من دهاة العرب المعدودين)، وكان أكثر الناس حرصا على عدم قطع الشعرة بينه وبين الناس، إذ قال: "والله لو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت قط؛ إن أرخوها شددت، وإن شدوها أرخيت".
ما قاله رئيس وزرائنا تصريح مجاني لا يقدم، وربما يؤخر، في عملية الإصلاح السياسي، ومن شأنه تأزيم الموقف لا حلحة العُقد. فيما يذهب "خبثاء" إلى القول إن الطراونة أراد من كلامه ذاك قطع الطريق على حوارات جانبية قام بها ساسة ومسؤولون سابقون وبرلمانيون مع جهات مختلفة، على رأسها الحركة الإسلامية.
صراع إلارادات، أو "ليّ ذراع" أحد، أو قطع الطريق على تفاهمات تجري هنا وهناك، لا تخدم إصلاحنا المنشود، ولن توصلنا إلى ما نريد من سيادة لدولة المؤسسات والقانون وإعادة الهيبة لمجلس نوابنا بعد أن سلبه نواب حاليون الكثير الكثير من هيبته.
فلمصلحة من نريد أن نبقى في مربع المماطلة والتسويف وشراء الوقت، وحساب الربح والخسارة والخوف من هذا الطرف أو ذاك، وانتظار ما يجري في محيطنا من تفاعلات، وخاصة في سورية الشقيقة، والنظر إلى كل ما يحصل فيها بعيننا نحن وليس بعين من يريدنا أن نرى ما يرون هم، ونقول ما يقولون، ونفعل ما يفعلون، ونخدم أهدافا غربية تقسيمية كما يخدمون؟
ومن يريد بأن تبقى هيبة مؤسسات الدولة في الحضيض؟ ومن يؤطر لعصبيات جديدة تزعزع أركان الدولة، وتبعدنا عن إنشاء وتكوين دولة حديثة تؤمن بالمؤسسة نهجا، وبالدستور القانون مرجعا، والعدالة الاجتماعية هدفا، والمواطنة حقا؟
القصة لا تتطلب تعنت هذا الطرف أو ذاك؛ فلا يضير الحكومة أن تتنازل إن وجدت أن سواد الشعب يريد ذاك الأمر، كما لا يضير أي طرف أن يقدم خطوة للإمام لمصلحة الوطن أولا وثانيا وعاشرا.
نريد بقاء خطوط التواصل مفتوحة مع الجميع، لأننا ببساطة نريد لمجلس نوابنا المقبل أن يمثل الجميع، وأن يكون قويا قادرا على محو الصورة السلبية التي علقت في ذهن المواطن من المجلسين السابقين.
وأيضا، فإن التعامل بردود فعل آنية لا يفيد، إذ ما الضير لو ذهب من أعلن مقاطعته للانتخابات، ومن أعلن مشاركته، لاستلام بطاقته الانتخابية؟ فالتسجيل لا يعني المشاركة، واستلام البطاقة لا يعني الذهاب إلى صندوق الاقتراع، فلما يتسرع البعض -كما فعل الرئيس الطراونة- ويقطعون شعرة معاوية، ويعلنون أن مقاطعتهم للانتخابات ترشيحا وتسجيلا.
ما يبدو حتى الآن أن جهات نافذة تمارس شدا عكسيا، ولا تريد لإصلاحنا السير في طريقه بدون عوائق. كما أن نفس الأمر (الشد العكسي) تمارسه أحزاب وحركات إصلاحية، لأنها تتهيب صندوق الاقتراع، وتتخوف من انفضاح حجمها في الشارع، وبعضها الآخر صاحب الثقل في الشارع، ينتظر ما سيحصل في محيطنا المضطرب لعل وعسى تكون غنيمة المشاركة أكبر وأثمن.
dawdaa2@yahoo.com
الغد