طلاق في دمشق .. زواج في عمان!!
حسين الرواشدة
08-08-2012 08:49 AM
مهما كان الوزن السياسي لرياض حجاب داخل النظام السوري فإن انشقاقه شكل مفاجأة وصدمة كبيرة للرئيس الأسد.
الرجل تم اختياره لمنصب رئيس الوزراء قبل نحو شهرين بقرار من الرئيس، ونظراً لما يتمتع به من شعبية وخبرة ادارية وسيرة حسنة فقد جرى “تقديمه” كفاتحة لمرحلة ما بعد الانتخابات “لتحسين” صورة النظام في الداخل ومواجهة “الثائرين” عليه، لكن يبدو أن الخيار كان خاطئاً، فقد صحا ضمير “حجاب” مبكراً وتحين أول فرصة كي يقفز من السفينة التي اوشكت على الغرق.
خطورة الانشقاق واهميته لا تقتصر فقط على ما يمثله من صحوة ضمير، ولا على اعتبارها الاولى لشخص في منصب رئيس وزراء، إنما ايضا -على ما تكشفه من اختراقات أمنية وسياسية، ومن عجز لأجهزة النظام لسيطرته على اقرب المحيطين به، وعن قدرة المنظومات الاستخبارية التي تعمل بالتعاون مع الجيش الحر والمعارضة من الوصول الى “عصب” النظام وضربه من داخله.
صحيح أن ما يحكم “سوريا” هي الأجهزة العسكرية والأمنية، وهذه حتى الآن لم تشهد انشقاقات جوهرية، ولكن الصحيح ايضا ان “تفجير” خلية الأزمة في دمشق ومقتل الجنرالات يؤكدان ان “خلخلة” النظام من داخله لا تنحصر في الانشقاق فقط، إنما في “التصفية” ايضا، وكلا الطريقتين تشيران الى ان المنظمة الأمنية والعسكرية للنظام تعاني من التفكك وفقدان السيطرة، وبالتالي فإن الباب أصبح مفتوحاً امام انشقاقات جديدة، وعمليات تصفية واغتيال تجعل النظام مشلولاً وعاجزاً عن مواجهة الثورة او حسم المعركة لصالحه.
يوماً بعد يوم يشعر “الأسد” أن الخناق بدأ يضيف عليه وأن فرصة “النجاة” تبدو مستحيلة، وإذا كان قد راهن على صمود دمشق وحلب الى جانبه، فإن ما شهدته العاصمتان من “معارك” طاحنة، وما تكبد فيهما من خسائر تجعله بانتظار مصير لا يختلف كثيرا عن مصير “القذافي”، مثلما تدفعه الى ممارسة المزيد من “الشراسة” للانتقام من “الشعب” الذي قرر اسقاطه.
انشقاق “حجاب” بما يحمله من رسائل، قد يكون اهم مسمار يدق في نعش النظام، ومن يقرأ تفاصيل “قصة” الانشقاق وسيرورة تنفيذها، والدور الذي يبدو ان اجهزة استخبارات عديدة قامت به لإنجاحها، سيكتشف أن “اللعبة” في سوريا قد حسمت، وأن ما يؤخر سقوط النظام هو “الخوف” الذي ما زالت تشعر به الطبقة السياسية وربما العسكرية من عمليات انتقام يمارسها النظام ضد عائلاتهم، او بسبب عدم تمكنهم من تأمين “هروبهم” الى مناطق آمنة.
من المفارقات ان بعض أركان النظام السوري قد صحت ضمائرهم وقرروا الانحياز “لثورتهم” فيما لا يزال المؤيدون للنظام في بلادنا يدافعون عنه، ويسترجعون قصة “المؤامرة الكونية”، ولا يرون فيما جرى من “انشقاقات” وقبل ذلك من تضحيات وشهداء وارهاب يمارسه النظام ضد شعبه، إلا “وجها” آخر للمؤامرة التي تستهدف “الممانعة” وبطلها الأسد.
فيما مضى كان هؤلاء يتمترسون خلف رواية “تماسك النظام” وصلابة جبته السياسية والأمنية، أما اليوم فيستهينون بالانشقاقات التي حصلت، وبعضهم يعتبرها “انتصارا” للنظام بعدما انكشف “العملاء”.. فماذا بوسعهم ان يقولوا غداً اذا ما انشق “رأس النظام” أو هرب من السفينة التي تقافز منها المقربون واحداً تلو الآخر.
المسألة لا تتعلق فقط بالتحليلات السياسية التي فقدت مصداقيتها وقدرتها على الاستبصار، إنما تتعلق بغياب الحس الانساني والوازع الإخلاقي لدى الذين لا يريدون ان يروا الحقيقة، وان يتعاملوا مع منطقها الذي تفرضه الأحداث والوقائع لا مجرد الأمنيات.
ما يحدث في سوريا، وما يقرره الشعب هناك، لا يعني أبداً ان تنجر بلادنا لتكون جزءا من المشكلة، ولا أن تندفع وفق حسابات سياسية خاطئة الى “بؤرة” المعركة، فنحن نراقب ما يجري ونحاول ان نقرأه بعيون مفتوحة على “مصالحنا” واولوياتنا.. أما الذين تحركهم رغباتهم وانحيازاتهم غير المفهومة فيريدون أن نكون “أسديين” أكثر من “الأسد” وحريصين على النظام اكثر من حرص الذين طلقوه بالثلاثة!
الدستور