أزور صديقي، اليوم، لا لتهنئته بنجاح شقيقه في الثانوية العامة، إنما اطمئناناً على الناجح المصاب بـ"نيران صديقة" احتفلت على طريقتها الخاصة.
ربما عليّ أن أهدي صاحب المسدس "المبتهج" يوميات جان جينيه، وأردد معه مترنماً اعترافات هذا الكاتب الفرنسي الذي كان ممسوساً بفكرة القتل "التي تقطع صلته بعالمكم".
لا أعتقد أن القابضين على أسلحتهم وألعابهم النارية إلاّ باحثين عن الجمال، وهم معنيون أكثر من غيرهم بالبحث عن قصائد لوتريامون التي تمجد الخراب، بوصفه طبيعة يجتمع عليها جميع البشر.
الآلاف الذين مارسوا القتل، منذ أيام، كانوا يعبرون – بالتأكيد- عن أزمتهم الوجودية ومعاناتهم من وحشية الرأسمالية وتحكّم التكنولوجيا والآلة، واعتراضهم على تلوث البيئة وعمالة الأطفال.. الخ، لذلك اضطروا لإطلاق الرصاص أملاً بايقاظ ضمائرنا.
والأمل ذاته يحدو طلاب الجامعات، فلا ضير من تأسيس حملة وطنية تشجّع على العنف، وتبحث لهم عن معنى يليق بمشاجراتهم "المسلية".
وفي الأثناء يجب إيقاف العبث المتمثل بتحميل الأجهزة الامنية والمناهج الدراسية والعشائرية وفساد المؤسسة التعليمية مسؤولية ما حدث وسيحدث.
وعلى المنوال نفسه، يمكننا النظر إلى واقعة الاعتداء على المشروع النووي في جامعة التكنولوجيا، وحوادث قطع الطرق المتكررة، ويُمنع، وفق منظمي الحملة، إلقاء اللوم على الدرك ومؤسسات الدولة في إذكائها العنف.
إطارات العجلات، التي تحترق في مخيلة آلاف الأردنيين، لن تختبئ طويلاً في رؤوسهم، وعلينا أن لا نستنكرها، فهي لا تعدو أكثر من احتجاج على صيف لاهب أو لأن عَلم بلادهم رفع مقلوباً في حفل افتتاح أولمبياد لندن.
وسيخلص الدارسون والباحثون إلى انعدام الفائدة من تلك الحروب الصغيرة التي تندلع في الإعلام، فهي لم توصل "المتحاربين" إلى حوار حول اختلافاتهم وخلافاتهم، لذلك عليهم الاستعاضة عن الكلمة بأدوات أجدى نفعاً.
غاب عن حملة "تعالوا نقتتل" شكل المواجهة المطلوبة، وكيفية تحكيمها وإعلان المنتصرين والمهزومين، وعليهم الانصات جيداً إلى جمهور المتطوعين، علّهم يقدمون اقتراحات وجيهة، أو يدخلون المعركة من دون أفكار مسبقة!.
mahmoud1st@hotmail.com
العرب اليوم