د. الحروب : رئيس الحكومة الجديد نموذج ابوالراغب او الكباريتي او عوض الله وليس الفايز والبخيت وبدران
د. رلى الفرا الحروب
08-11-2007 02:00 AM
عمون - تحت عنوان "حين يتحدث الملك" كتبت الزميلة الدكتورة رلى الحروب مقالة في يومية "الانباط" حول حديث جلالة الملك ل"بترا" وتوقعها ان يكون الرئيس القادم من نمط الكباريتي وابوالراغب او عوض الله وليس الفايز والبخيت وبدران ولاهمية ما جاء فيه وما يمكن ان يثير جدلا ننشره : الحوار الذي أجراه الزميل رمضان الرواشدة أمس الأول مع جلالة الملك عبد الله الثاني حمل الكثير من الإشارات الهامة التي ينبغي أن نتوقف أمامها قليلا لاستقراء معانيها.
كان أول ما أشار إليه الملك هو عنوان المرحلة المقبلة الذي وصفه "بالتنفيذ والإنجاز الفعلي للخطط والبرامج التي صدرت عن ملتقيات وتجمعات وطنية على رأسها الأجندة الوطنية وكلنا الأردن".
نفهم من ذلك أن شخصية رئيس الحكومة القادم لن تكون من طراز الدكتور البخيت أو الدكتور عدنان بدران أو حتى فيصل الفايز، وإنما من طراز أكثر عملية وبراغماتية وعلى الأغلب أيضا أكثر شبابا وأكثر جرأة في اتخاذ القرارات، وهذا يعني شخصية أقرب إلى نموذج المهندس "علي أبو الراغب" أو " عبد الكريم الكباريتي" أو ربما الدكتور باسم عوض الله، كما أنها على الأغلب ستكون شخصية لم تحرق أوراقها في الشارع.
يترتب على ذلك أن تشكيلة الحكومة القادمة ستحمل طابعا مختلفا عن الحكومات الثلاث الأخيرة، وربما يغلب عليها التكنوقراط والإصلاحيون والليبراليون الجدد، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات الوطنية الجريئة وربما بعض رموز المعارضة التي تحظى باحترام في الشارع الأردني جراء مواقفها النظيفة والتي ستعمل بمثابة صمام الأمان إزاء التركيبة الجديدة والأوضاع الصعبة القادمة.
ونظرا لطبيعة التحديات الاقتصادية التي يمر بها اقتصادنا الوطني جراء عوامل بعضها داخلي وبعضها خارجي فإن الحكومة القادمة ستتمتع على الأغلب بفريق اقتصادي فاعل وشاب يتوقع منه إبداع بدائل جديدة والتفكير في حلول أصيلة لمشاكلنا التي تزداد تعقيدا في ظل معطيات سوق جنونية وارتفاعات خرافية وغير مبررة لأسعار النفط، وهي مهمة صعبة، خاصة حين نضع في الاعتبار مطلب جلالة الملك بتحسين مستويات دخول المواطنين بما يتلاءم مع مستويات التضخم ويحقق العدالة للعاملين في القطاعين العام والخاص على حد سواء.
في الوقت ذاته، فإن بعض العناصر التي عملت على تطوير الخطط المتعلقة بشبكة الأمان الاجتماعي التي كرس لها الملك قسما ملحوظا من حديثه مع بترا وأحاديثه السابقة في مناسبات عدة يتوقع أن تستمر في مواقعها للمساهمة في إنجاح تلك الأفكار والخطط.
تركيز الملك على الإنجاز الفعلي والتنفيذ كعنوان للمرحلة المقبلة يؤكد إعلاء قيمة الكفاءة في التشكيلة الحكومية القادمة أكثر من الاعتبارات التقليدية التي كانت تحكم تلك التشكيلة في السابق، ما لم تعمل بعض العناصر والجهات على الحد من هذا الطموح بتقديم صورة غير دقيقة لمؤهلات الفريق الوزاري القادم وقدراته وشعبيته.
لقد دعا الملك ابناء الوطن إلى العمل سويا لإنجاح هذا التوجه نحو الإنجاز، مطالبا السلطة التشريعية بالارتقاء إلى مستوى الحدث والمساهمة في رخاء الوطن عبر سن التشريعات التي تمس حياة المواطنين وممارسة الرقابة على أداء السلطة التنفيذية، كما دعا الحكومة إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، ويفهم من ذلك المزيج أن الدور الملقى على عاتق البرلمان في المرحلة القادمة سيكون كبيرا ومؤثرا، ومن هنا، فإن إصرار جلالته على حث المواطنين على انتخاب الأفضل والأكفأ والأكثر قدرة وإصراره على توجيه الحكومة إلى التزام جانب الحياد والنزاهة في إدارة الانتخابات يؤكد الجدية التامة التي تنظر بها السلطة إلى دور البرلمان، كما يؤكد أن التصريحات التي تخرج علينا بين الحين والآخر ليست للاستهلاك أو الدعاية أو استرضاء الدول المانحة، بقدر ما هي مطلب حقيقي لرأس السلطة الذي يرى أمامه خارطة متكاملة لمستقبل الوطن ويدرك موقع كل مؤسسة في تلك الخارطة.
جلالته كان صريحا أيضا فيما يتعلق بالتنمية السياسية التي يشعر أنها تتقدم ببطء ولكن بثبات، وكان شفافا حين قال: "كنت أتمنى أن يكون العام 2007 عام الأحزاب السياسية الكبيرة ذات البرامج الواقعية والواضحة، ولكن يبدو أننا ما زلنا بحاجة إلى المزيد من الوقت والجهد". وهذه هي المرة الأولى التي يعبر فيها الملك بمثل هذه الصراحة والمباشرة عن رغبته بتشكل أحزاب قوية تصل إلى البرلمان، ولكن المشكلة التي لم يشر إليها جلالته هي أن الأشخاص الذين أنيطت بهم مهمة التنمية السياسية لم يكونوا على قدر المسؤولية في بعض الأحيان، وواجهتهم عقبات وعراقيل من قوى الشد العكسي في أحيان أخرى، وهو ما جعل الوزارة التي تحمل هذا الاسم تراوح في مكانها دونما إنجاز ملموس، وحول بعض الوزراء الذين تواتروا عليها إلى مثار للتندر، كما تسبب في شعور بعضهم الآخر باليأس والإحباط من اللعبة السياسية كلها، وليس من التنمية السياسية وحدها.
القضية الفلسطينية شغلت بدورها مساحة ملموسة في اللقاء، ولعلها من المرات المعدودة التي يؤكد فيها جلالة الملك وبمثل هذه الصراحة والوضوح أن قضية فلسطين هي قضية الشعب الأردني مثلما هي قضية الشعب الفلسطيني، وأنها شأن داخلي وأولوية حساسة وليست مجرد واجب قومي أو ضرورة إقليمية، وهو هنا يرد على بعض من يسيئون تفسير المضامين والشعارات السياسية كشعار الأردن أولا، باعتباره الأردن محليا، أو الأردن منعزلا بعيدا عن فلسطين و بعيدا عن جواره العربي والإسلامي، ويرسل رسائل واضحة لكل من يتحدثون عن تنازلات أو صفقات من الجانب الأردني في لقاء أنابوليس القادم حين يؤكد ضرورة التوصل إلى إطار زمني يقود إلى حل شامل ونهائي يضمن ما سماه "الحقوق الفلسطينية الراسخة في القدس وحق العودة والسيادة الكاملة للدولة الفلسطينية ويضمن الأمن والسلام للجميع".
في الشأن العراقي أشار الملك بما لا يدع مجالا للشك إلى موقف الأردن الثابت من قضية تقسيم العراق باعتبارها خطا أحمر مرفوضا من الأردن والعرب، وقد وضع الدول العربية أمام مسؤوليتها التاريخية التي تحتم عليها تنسيق المواقف والتعاون في كافة الملفات المصيرية بما يقطع الطريق على القوى الإقليمية الطامعة لتنفيذ أجندتها وتحقيق مآربها.
لقد عبر جلالته في هذا اللقاء عن رفضه كافة التدخلات الإقليمية في الملفات العربية الشائكة وهو ما يرسل برسائل واضحة إلى كل من إيران وتركيا وأثيوبيا وباقي القوى التي تحاول فرض نفسها على الساحة العربية الداخلية.
لقد حمل هذا اللقاء مضامين هامة بعضها مليء بالتفاؤل والوعود على صعيد الملفات الداخلية المثيرة للقلق، وبعضها الآخر حافل بالرسائل الهامة للقوى ذات الثقل الدولي والإقليمي فيما يخص الملفات الخارجية الشائكة، ولكن أهم ما في اللقاء كان تلك الروح الشابة التي تفيض عزيمة وتصميما على جعل الأردن مكانا أفضل للعيش رغم كل الصعاب ورغم كل التحديات.