بمجرد إعلان نتائج التوجيهي، فتحت جبهة لإطلاق العيارات النارية، بدرجة غير مسبوقة، حتى قدر البعض عدد الطلقات التي حلقت في فضاء الأردن بأضعاف أضعاف تلك التي أطلقت في موقعة الكمالية والتي ذكرتها التقارير الرسمية كدليل على كبر حجم العملية.
الأردنيون تعاطوا مع حدث إطلاق الرصاص بطرق مختلفة، فمنهم من أطلق نكاتا سياسية منها أن النظام السوري قرر على الفور وقف عمليات جيشه على الحدود الشمالية للأردن بحجة أن الأردنيين يفعلون هذا وهم فرحون فكيف الحال لو غضبوا!.
ومن الناس من طالب بحملة أمنية لضبط كل الأسلحة غير المرخصة ومعاقبة كل من استخدم السلاح احتفاء بالتوجيهي، خصوصا أن إطلاق الأعيرة النارية لم يمنع من قبل الأجهزة المعنية حتى في عمان الغربية التي لم تخل من هذه الظاهرة المشينة، إذ بقيت أصوات العيارات النارية تتعالى حتى الساعات الأولى من يوم أمس.
المفاجأة ليس بعدد "الصليات" التي حلقت في سماء المحافظات الأردنية كافة، بل بوقوف الجهات الأمنية موقف المتفرج على من أتوا بهذا السلوك غير الحضاري، والذي يؤكد أننا ما نزال بلدا غير حضاري، وأننا شعب نميل للعنف.
الخطورة تكمن في أن عدم ضبط الظاهرة يشجع على العنف، وإذا كان استخدام السلاح أمرا عاديا في المناسبات الاحتفالية، فلماذا لا يكون كذلك في حسم الخلافات، وهذا كله يصب في إضعاف دولة القانون وهيبة الدولة ومؤسساتها، ويؤكد عدم احترام المواطن لسيادة ودور المؤسسات وضعف ثقته بها، خصوصا أن هذا الفعل جريمة يحاسب عليها القانون في دول أخرى.
السكوت الرسمي عن ظاهرة إطلاق العيارات النارية مهما كانت أسبابه يجعل الدولة شريكا رئيسا في انتشار ظاهرة العنف المجتمعي في بلد يقدر عدد قطع السلاح غير المرخصة فيه بحوالي المليون قطعة، وربما أكثر من ذلك بكثير.
إذا ما اعتمدنا التقديرات الرسمية لعدد قطع السلاح غير المرخص وبنسبته إلى عدد السكان، نكتشف أن بأيدي كل ستة مواطنين قطعة سلاح، وما خفي أعظم.
السؤال المهم ليس لماذا يوجد في الأردن نحو مليون قطعة سلاح غير مرخص، ناهيك عن المرخص، بل كيف دخلت هذه الأسلحة إلى البلاد؟ وأين هي رقابة الحدود وكيف غفلت أعين كل الجهات المعنية عن كل هذه الأسلحة؟ وكيف تمكن المهربون من إدخال هذه الكميات من السلاح لتكون سلعة سهلة بيد الشباب والعائلات، إذ يكاد لا يخلو بيت أردني من السلاح في مختلف المواقع والمناطق؟
السوق السوداء للسلاح كبيرة وليس هناك تقديرات حول حجمها، أو حول عدد العاملين فيها وكل ما يمكن قوله أن بالإمكان السيطرة عليها إن توفرت النية لذلك، فالقصة اليوم قصة هيبة دولة، التي يفترض المنطق أنها فقط التي تحمل السلاح لتطبيق القانون، فلماذا يحمل الشعب كل هذا السلاح؟
وجود هذا الكم من السلاح بأيدي الناس في هذه الفترة تحديدا يبدو أكثر خطورة ويلزم السيطرة عليه، إذ من يدري من يستخدمه؟ وكيف سيستخدمه ولمن سيوجه؟
انتشار ظاهرة اقتناء السلاح واستخدامه يعكس عدم الشعور بالأمان، ويشي أيضا بضعف إيمان الفرد بقدرة الدولة على حماية أمنه وأمانه وخصوصيته وحقوقه، وتؤكد أيضا أن الفرد بات يقترب من التسليم بقناعة مفادها أنه إن لم تكن الدولة قادرة على إحقاق الحق ومعاقبة المخطئ وتكريس القانون كمبدأ، فإن من حق أي كان أن يأخذ حقه بيديه، وهذا نواة لفوضى لا نقدر على تحملها.
لو أن قيمة كل الطلقات التي ضاعت في الهواء وضعت في صندوق لدعم الفقراء لكان فضلها أكبر، بدلا من الخسائر المعنوية والبشرية الكبيرة الناجمة عنها.
الغد