من يكتب التاريخ .. وكيف يكتبه؟!
جهاد المنسي
05-08-2012 04:24 AM
يريد منا "البعض" أن نرى ما يحصل حولنا محليا وعربيا وإقليميا بعين واحدة، وأحيانا يريد منا الرؤية بأعينهم هم، وترديد ما يقولونه، وأن نتبنى ما يتبنونه.
هؤلاء "البعض" يريدون منا إزاحة عقلنا جانبا، وتبني ما يفكرون به، باعتبار أننا قُصر رُضع، لا نملك الحق في التفكير والتبصر، ولا نستطيع أن نرى بأعيننا نحن.
هؤلاء لديهم بالضرورة وصفات جاهزة، لكل ما يحصل، ويريدون منا التسليم بما يقولونه باعتبار أن كلامهم لا يأتيه الباطل من فوق أو من تحت.
للتذكير فان هؤلاء أنفسهم، وقبل سنوات عملوا على إقناعنا أن الطريق لتحرير القدس يمر عبر كابول، فحشدوا الأنصار باتجاهها لقتال ما كانوا يعتبرونه خطرا سوفيتيا، فكان المقاتلون في كابول عندهم "مجاهدين"، قبل أن يصبحوا لاحقا عصابات وفرق قتل.
هؤلاء "المجاهدون" تغنى بهم تجار قتل، ومجدت بطولاتهم في دحر "العدو السوفيتي" دول تبنت تمويلهم، وساسة لعبوا بهم كيفما اتفق، ووظفتهم جهات لخدمة أغراضهم على أكثر من صعيد.
هؤلاء أنفسهم إرهابيون وضعوا بصمتهم الجرمية في أغلب عواصم العالم ومدنه، سواء في نيويورك حيث برجي التجارة، مرورا بلندن، ومدريد، والسواح في مصر، ودور الأيتام في روسيا، والأسواق والمستشفات والمستوصفات والمدارس في العراق، وحفلات الأعراس في فنادق عمان.
هؤلاء وجدوا رعاية في بداية الأمر من دول كثيرة على رأسها الولايات المتحدة، ثم انقلب الحال، فأصبحوا مطاردين ملاحقين من الدول التي رعتهم، وبعد أن أعادت تلك الدول قبضتها عليهم، لم نعد نسمع بإرهاب القاعدة وأعوانها.
بطبيعة الحال، فإن من يحتل فلسطين آمن منهم، لا خطر عليه ولا تنغيص، باستثناء أن كل الطرق الفرعية التي يختارها هؤلاء يقحمون فيها اسم القدس وفلسطين، باعتبار أن الطريق لتحرير القدس يمر من تلك الدول بدون أن نسمع أو نرى فعلا واحدا يدل على ذلك، وبدون أن يحرك البعض الأموال لتحرير القدس، وهو يراها تهود يوما إثر يوم، ويرى أولى القبلتين تقضم شيئا فشيئا، ولا يفكر ذلك "البعض" بإرسال متطوعين للقدس كما فعل سابقا في أفغانستان، ويفعل حاليا في دول عدة.
نريد تركنا نفكر بأنفسنا، وأن نرى بعيوننا نحن وليس بأعينهم هم، ونتخذ قرارنا حسب قناعاتنا وليس حسب قناعة هذا الطرف أو ذاك، أو حسب أهواء هذه الدولة أو تلك.
ما سبق استرجاع تاريخي وصولا إلى ما يحصل اليوم من غزو إرهابي قاعدي لدول عربية بهدف تفتيتها وتقسيمها والعبث فيها فسادا وإفسادا.
كل ذلك، وتقلب الحال يدفعنا للسؤال من سيكتب التاريخ؟ وكيف سيكتبه؟ وإن كان من سيكتب هذا تاريخ أمينا صادقا محايدا، يرى بكلتا عينه، وليس بعين واحدة.
فهؤلاء الذين يريدوننا أن نرى بعين واحدة هم أنفسهم نقلوا "المجاهدين" إلى إرهابيين، ويريدون إعادتهم الآن لمجاهدين، وهم يريدون الآن أن نرى ما يحصل في العراق وسورية وليبيا ودول أخرى بعيونهم هم وأن نشاهد ما تصوره كاميراتهم، وما يوثقونه، وما يقولونه، ويستكثرون علينا أن نناقشهم، وإن فعلنا فإننا سنكون ضد الإنسانية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
إن من فجر أفراحنا في فنادق عمان، ومن فخخ الأسواق وزرع القنابل في المساجد، وعبث بمراقد الصحابة، وروع الأطفال في العراق، ومن فخخ مدرسة أيتام في روسيا، وعبث هنا وهناك، إرهابي، يده ملطخة بالدم. وما يجري في محيطنا تلعب فيه وتسيطر عليه يد الإرهاب الذي لا يؤمن بالإصلاح ولا بالديمقراطية.