بطلة الصحافة التي سقطت في حمص
باتر محمد وردم
03-08-2012 04:42 AM
لمدة 25 عاما بقيت الصحافية الأميركية الأسطورية ماري كولفن المصدر الرئيس للإعلام الدولي من مقدمة مواقع النار في أسخن الأحداث وأكثرها دموية في العالم.
مراسلة الصانداي تايمز الشجاعة اكتسبت سمعة رائعة في الصحافة العالمية بسبب قدراتها المهنية العالية، وجرأتها اللامحدودة وتركيزها الدائم على نقل معاناة ضحايا الحروب ومجازر الأنظمة والجيوش والميليشيات الدموية.
ماري كولفن نجت من مطاردة الجيش الروسي لها في الشيشان في العام 1999 وتمكنت من البقاء على قيد الحياة بعد إصابتها بطلق ناري افقدها البصر في عينها اليسرى في سري لانكا في العام 2002 واستمرت في نقل الأخبار من البصرة وبغداد وغزة وجروزني وكوسوفو وسيراليون وطرابلس والقاهرة وبيروت وكافة المواقع التي اشتعلت فيها الأحداث في العالم.
في شباط 2012 تسللت كولفن مع 3 من المراسلين الأجانب إلى حمص لتوثق فظاعات القصف والعدوان الذي مارسه طاغية سوريا ضد شعبه، واثناء وجودها في أحد المنازل برفقة زملائها تعرضوا لقصف مدفعي أدى إلى مقتل كولفن وزميل آخر، ونجّاه الاثنان الباقيان على قيد الحياة من خلال عملية هروب بطولية بمساعدة سكان حمص، لمدة 25 سنة نقلت كولفن معاناة الضحايا بكل وضوح وانحازت إلى الناس وليس إلى السياسات الإعلامية والبروباجاندا، ولكنها لم تستطع النجاة من الإبادة الجماعية التي مارسها النظام السوري ولا يزال.
ماري كولفن هي مثل راتشيل كوري، فتاة أميركية شقراء ذات ايمان هائل بقضايا الإنسانية وقفت إلى جانب المتضررين وضحايا القمع، ولا يوجد فارق ما بين كوري التي داستها دبابات الاحتلال الإسرائيلي وكولفن التي أردتها مدفية الطاغية وهو يقصف شعبه وهي تستحق كل الاحترام والتقدير ليس فقط في العالم العربي بل لدى كافة الجهات التي تؤمن بالإنسانية وتملك ضميرا، وهذا لا ينطبق على مؤيدي النظام السوري،
تم مؤخرا نشر كتاب يحوي أهم التقارير والكتابات التي قامت بها كولفن من أعماق مناطق الصراع في العالم، وقراءة هذا الكتاب تفتح أمامنا الباب لشخصية رائعة تمثل أفضل ما في الإعلام ونموذجا لكيفية الحرص على الحقيقة والانحياز للناس،
الكتاب الذي يستحق ترجمة فورية إلى اللغة العربية يتضمن أكثر من 30 مقالا وتقريرا ميدانيا حول الأوضاع في الشرق الأوسط منذ 1987 وحتى الآن، وحوالي 20 تقريرا من مناطق أخرى في العالم واقل ما يمكن تقديمه لذكرى هذه الفتاة الشجاعة أن يتم نقل تجربتها ومشاهداتها إلى العالم العربي وأن يستفيد الإعلاميون العرب من تجربة استثنائية في الشجاعة والالتزام بالقضايا الإنسانية.
آخر تقرير من ماري كولفين كان في 21 شباط 2012 من منطقة بابا عمرو في حمص وتضمن ما يلي: “اعتقد ان الانباء عن نجاتي يمكن ان تكون فيها مبالغة، انا في بابا عمرو، الوضع يسبب الغثيان، لا استطيع ان افهم كيف يمكن للعالم ان يقف متفرجاً، وقد كان ينبغي ان اكون اكثر صلابة الآن، شاهدت طفلاً يموت اليوم، قتل بشظية، لم يستطع الاطباء عمل شيء، ظل بطنه الصغير يعلو ويهبط الى ان توقف، اشعر بأن لا حول لي ولا قوة، كما اشعر بالبرد، سأظل احاول ايصال معلومات”.
شكرا ماري وصلت المعلومات ولكن العالم لم يستيقظ، وما زالت الضمائر نائمة، في يوم تشرق الحرية على سوريا، سترتاحين في قبرك لأنك أنجزت المهمة حتى النهاية.
batirw@yahoo،com
الدستور