انتخـاب الأعيـان وتعييـن النـواب
نسيم الصمادي
07-11-2007 02:00 AM
رغم أنه لم يبق على انتخاب النواب سوى عشرة أيام، إلا أنني - ومن منطلق الثقة المطلقة بحكمة جلالة الملك – أتوقع وأتمنى أن يصل هذا الرأيي إلى سيدنا فيأخذ به ويؤجل الانتخابات الحالية شهرين أو ثلاثة أو حتى سنة، لتعاد الانتخابات بطريقة مبتكرة، تحقق رؤيته الحالية والمستقبلية لكي يظل ويبقى "الأردن أولا" و "الأردني هو أغلى ما نملك."
لدينا في الأردن طاقات وإمكانات وخبرات يمكن أن تجعل السلطة التنفيذية في الأردن هي الأكثر فعالية على المستوى العربي. ولدينا سلطة قضائية متميزة وعلى درجة عالية من النزاهة والقوة. ولدينا سلطة رابعة إعلامية متوسطة الأداء، وأظن أن ضعفها يرجع إلى ضعف السلطة التشريعية على مدى تاريخ الأردن الحديث.
ومن الواضح أن بعض مستشاري المليك الطامح والمتحمس والمحبوب ما زالوا يفكرون داخل الصندوق، ولم يرتقوا إلى مستوى طموحاته ولم يستوعبوا معظم طروحاته وتوجهاته. ودعوني أقل لكم لماذا.
الحكومة تعرف كما يعرف الأردنيون أن مجلس النواب القادم سيكون مثل المجلس السابق، بلا تأثير وبلا تدبير. وهذا يعني أن الفائدة الوحيدة للانتخابات الحالية لا تتعدى الأثر الإيجابي لمصروفات واستثمارات المرشحين من الأغنياء والوجهاء الذين سيضخون في شريان الاقتصاد المحلي بضع عشرات الملايين من الدنانير. لكن هذه الملايين ستتحول إلى عبء على ميزانية الدولة وعلى كواهل دافعي الضرائب لأن مجلس النواب القادم سيصرف أكثر منها على الرحلات والسيارات والحفلات والمرتبات.
من المؤكد أن المجلس القادم سيتكون من: الوجهاء الذين ستنتخبهم عشائرهم ليمثلوا القبيلة لا المواطن، والأغنياء الذين دعمتهم أرصدتهم ليمثلوا ويعمروا جيوبهم لا مناطقهم، والنساء اللواتي ساعدتهن حصصهن النسبية ليمثلن أقلية من الكثرة الأنثوية، بالإضافة إلى فئة ضئيلة من الحزبيين الذين يضعون الأيديولوجية قبل المصلحة الوطنية لأن أفكارهم الفئوية الحصرية تتعارض مع الخصوصية الأردنية. وإذا كانت فئة الوجهاء والأثرياء والنساء لن تمثل الأردن جيدا، فإن الفئة المؤدلجة لا تمثل حتى من يتعاطف معها فكريا ونظريا.
فما الحل؟
أتمنى وأحلم بأن يتخذ جلالة الملك قرارا تاريخيا عظيما يقلب الهرم التشريعي رأسا على عقب، ويضع النائب والعين المناسب في المكان المناسب. أعرف أن هذا سيحتم تغييرا في الدستور، لكن مبادرات التغيير الجذري العظيمة لا تأتي إلا من الحكماء والعظماء. وإنني إذ أدعو قادة الفكر والسياسة والاقتصاد والثقافة والإعلام والتشريع والاجتماع والأمن إلى التفكير في الأمر ومساندة الفكرة وتوطينها وتمتينها، وإذ أظن أن الحكومة جادة في التغيير والتنوير، فإن نظريتي تتلخص فيما يلي:
أولا: يتم اختيار نواب الشعب من قبل الحكومة وضمن برنامج واضح يتوافق ويتلاقح مع خطط التنمية. ولا أريد أن أتجاوز حدودي فأقترح العدد المناسب من النواب لتمثيل الأمة خير تمثيل، ولكني أتخيل العدد ما بين 200 و 400 نائب. على أن يمثل الاختيار كافة الفئات والجهات والفعاليات وبالحد الأدنى من الشروط، وعلى رأسها أن يحمل المختارون شهادات جامعية من كل التخصصات، مع الإتقان التام للغة العربية ومعرفة جيدة أو متقدمة باللغة الإنجليزية، لكن الأهم هو إتقان اللهجة الأردنية. وأتمنى هنا أن يغلب على هذا الاختيار التحرر الفكري والتخصص التقني.
ثانيا: يتم انتخاب أعضاء مجلس الأعيان من قبل الأمة، ولكن بشروط مختلفة منها على سبيل المثال أن لا يسمح بالترشح إلا لفئات محددة تشمل من حيث المبدأ ما يلي:
- رؤساء الوزراء والوزراء السابقين.
- كبار ضباط القوات المسلحة والأمن السابقين.
- رؤساء وعمداء وأساتذة الجامعات الحاليين والسابقين.
- رجال المال والأعمال والمديرين الناجحين.
- رجال القانون وكبار المحامين ممن يختارون التقاعد أو المتقاعدين.
- الكتاب والإعلاميين والصحافيين والمؤلفين والرياضيين والفنانين.
- رؤساء الأندية والجمعيات وقادة المجتمع المدني الفعالين والنشيطين.
- رؤساء ونواب رؤساء النقابات والأحزاب والاتحادات الحاليين والسابقين.
- كبار التربويين المتميزين ومديري العموم النزيهين.
- أية فئات أخرى يحددها الخبراء والحكماء.
ولكم أن تتخيلوا معركة انتخابية تخوضها هذه الصفوة وهذا المزيج الرائع من الخبراء والعلماء والحكماء والقادة والمبادرين الأكفاء. من المؤكد أن معظم هؤلاء لن يلجأوا لشراء الذمم والأصوات، ولن ينفقوا الملايين على الاحتفالات والرحلات والسيارات (لأنهم مثاليون أو شبه مثاليين، أو مكتفون أو شبه شبعانين)، ولن يضع معظمهم المصلحة الشخصية قبل المصلحة الأردنية، كما سيفسحون المجال للشباب ليتحلموا مسؤولياتهم الضرورية في المناصب الرسمية التي تتطلبها قيادات السلطة التنفيذية.
ربما تبدو الفكرة - للوهلة الأولى - غريبة أو غير عملية أو حتى غبية، وستبرز بعض المشكلات المتوقعة مثل أن يحجم بعض المخضرمين عن خوض الانتخابات للوصول إلى مكانات وصلوها وتجاوزوها سابقا، ولكن لو عرفنا أنه يمكن وفق هذه التوليفة الحضارية أن يتم انتخاب رؤساء الوزارات والوزراء أو انتقاؤهم من قبل ومن بين أعضاء المجلسين الموقرين، لتسابق الجميع إلى هذه المنافسة القوية. أعني أن الوزراء لن يكونوا فقط خليطا من المجلسين، بل يتم انتقاؤهم انتخابيا من قبل ما يقرب من 500 عضو (نائب وعين) يمثلون الحكومة والشعب.
لست من خبراء السياسة ولا من أخصائيي التشريع، وكل ما في الأمر أنني أطلقت العنان لأفكاري عندما حاولت الإجابة عن سؤال واحد:
كيف يمكن تفعيل السلطات الثلاث وملحقاتها في الأردن لتلعب دورها في التنمية والتطوير، دون أن نستورد نماذج ديموقراطية خارجية، أو "أجندات" حزبية لم تقولب وتعلب لتناسب العقلية الأردنية لكي لا نبقى أسرى للماضي ولتفاعلات وتناقضات اجتماعية وثقافية وأنماط تفكير – نعرف كلنا – أنها لم تستطع حتى الآن مواكبة القصر، ولن تستطيع أبدا ملاحقة – ناهيك عن – مسابقة العصر.؟ فالمستقبل ليس عطية أو هدية، بل هو ارتكاز وإعجاز في الإنجاز.
والله والملك والوطن والشعب والمستقبل من وراء القصد.
smadi@edara.com