رسالة شعبية أردنية إلى سوريا
07-11-2007 02:00 AM
قبل نحو أسبوعين أعلن عن تأجيل اجتماعات اللجنة العليا المشتركة الأردنية السورية المقررة في عمّان والتي كان من المفترض ان يرأسها رئيسي وزراء البلدين.
قضايا شائكة كثيرة ما زالت تنتظر مبدأ الرفقة وعين الرأفة والاخوة وليس أسلوب وفن التفاوض بين البلدين الشقيقين، حيث تشير المصادر المحلية بان هناك انتهاكا للحقوق المائية الاردنية من قبل الجانبين السوري والإسرائيلي ، مع الاختلاف كون اسرائيل كيان غريب معتدي وسوريا الدولة العربية الشقيقة ذات الرسالة القومية!في الواقع يجمع البلدان السوري والأردني ارث متجذر ينطلق من وحدة الدين واللغة والعادات والتقاليد والتاريخ النضالي والجوار الجغرافي المشترك حيث يعتبر البلدان محور بلاد الشام،فضلاً عن التداخل الكبير بين عشائر كلا البلدين سيما في سهل حوران الذي يجمع جنوب سوريا مع شمال الأردن، ومن محاسن الصدف ونحن نتحدث عن تماثل العشائر بين البلدين ان ترأس اللجنة المشتركة للبلدين ، عن الجانب السوري مدير مكتب رئيس الوزراء رشاد الزعبي في حين ترأس الجانب الاردني امين عام وزارة الصناعة والتجارة منتصر العقلة الزعبي.
وعلى الرغم من كل عوامل التقارب المشتركة الكبيرة التي ذكرت، الا انه من الغريب والمستهجن ان درجة التقارب بين البلدين ما زالت بعيدة عند المستوى المأمول منها، فلم تسهم هذه العوامل في ترتيب علاقة قوية واستراتيجية بين البلدين، ومرد ذلك برأينا يعود لاختلاف وتضارب التوجهات السياسية لكلا البلدين.
ونحن لا نريد في هذه الموضع ان ندافع عن المواقف السياسية الأردنية،بقدر ان نوضح أمرا،نعتقد بأنه يغيب عن فكر غالبية الأشقاء والأصدقاء عندما يحللون المواقف السياسية للأردن، وهو يتعلق بمنطلق السياسة الخارجية الأردنية، فمن المعلوم للجميع ان الأردن الكبير بإنسانه يفتقر للموارد الطبيعية الرئيسية والمواد الخام المهمة ، سواء على مستوى الطاقة او الاراضي الزراعية الكبيرة او المياه حيث يعاني من شح مياه كبير ويعتبر من ضمن افقر عشرة دول في العالم في هذا المجال، لذلك لم يبقى للأردن اية موارد سوى إبداع انسانه ومستوى تعليمه وعلاقاته المتوازنة التي تنعكس وتترجم في انتهاج سياسة خارجية متوازنة على مستوى الدولة تراعي بالدرجة الاولى ضمان استمرار تزويده بالاحتياجات الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها من مياه وطاقة ومواد غذائية اساسية كالقمح وما الى ذلك، لذلك فان الاردن لا يستطيع ان يتبنى سياسة خارجية حادة او تصادمية تجاه الدول الرئيسية في المنطقة والدول الكبرى" وقد جرب ذلك" وأدى الى نتائج كارثية على الشعب الاردني وتم تهديد امنه واستقراره من قبل القريبين قبل البعيدين، وحقيقة إن هذا الوضع لا ينطبق على الدول المجاورة التي تمتلك من الموارد الطبيعية والإمكانات الكبيرة التي تجعلها بمنأى عن توفير احتياجاتها الأساسية من الخارج وحتى لو جربت هذه الدول ان تغلق حدودها امام الجميع فلن يضيرها هذا شيئا وتستطيع ان تعيش وتستمر.
وللحقيقة نقول انه على الرغم من هذه الأوضاع الخانقة ، فضلا عن الحروب والكوارث التي تحيط بالأردن، فان الأردن هو قومي منتمي متطور وهو سباق للمشاريع الوحدوية كذلك لنصرة الأشقاء العرب في مختلف القضايا الرئيسة سيما في فلسطين والعراق ولبنان والسودان ، وما من اوضح دليل على ذلك ما نلمسه مباشرة من جهود يبذلها جلالة الملك عبدالله الثاني خلال زياراته المتكررة للدول الكبرى والمؤثرة في صناعة القرار الدولي والتي تنصب على ايجاد حلول عادلة لكافة القضايا العربية بما يجنب الأشقاء مزيدا من إراقة الدماء ويجلب نعمة الأمن والاستقرار في المنطقة، وللأمانة اذا امعنا في كافة مباحثات جلالته سنجد ان الهم العربي القومي اخذ مكان الصدارة والأولوية على حساب الهم الوطني والثنائي.
الأردن الشعبي يسجل عتب ( على قدر المحبة) في ربط الجانب السوري للقضايا المعيشية والحياتية- ان جاز التعبير- بين البلدين الشقيقين بالمواقف السياسية الأردنية، وبوضوح اكثر ان قضايا الاردن مع سوريا هي قضايا تمس حياة الشعب الأردني مباشرة ولا مجال للمساومة عليها سواء فيما يتعلق بالمياه او تنقل المواطنين أو انسياب البضائع من والى سوريا ، كما ان العتب الشعبي الاردني يتعلق بسد الوحدة، هذا السد الذي تهيأت النفوس هنا لان يكون مفتاح الفرج فيما يتعلق بحل جزء كبير من مشكلة المياه المستعصية في الأردن "ونحن الظمأى"حيث جهز السد لاستيعاب طاقة تخزينية بنحو يفوق 100 مليون متر مكعب تغطي حوالي 50 مليون متر مكعب منها لأغراض الشرب في عمان والزرقاء،وكان الاتفاق بين البلدين على منح الأردن أولوية التخزين في سد الوحدة خلال الموسم المطري المنصرم على حساب التخزين في السدود السورية الفرعية المقامة على الأودية التي تغذي نهر اليرموك والذي يغذي سد الوحدة.
لكن الغصة الأردنية كانت عندما كانت كميات المياه التي خزنت في سد الوحدة لا تتجاوز 10 ملايين متر مكعب .
ولا نخفي أيضا الحديث عن تأخر حركة الشحن والتشديد في انسياب حركة البضائع وبالمحصلة ضعف التجارة البينية بين البلدين مقارنة بعوامل التقارب التي ذكرت، كذلك بحجم الإمكانات المتاحة التي اذا استغلت بشكل صحيح ستجعل الميزان التجاري بين البلدين أضعاف الحالي.
كما لا يمكن إغفال قضية الأسرى الأردنيين في السجون السورية، فلا بد من إيجاد حل شاف لهذه القضية المزمنة بان يتم تقديم معلومات وافية ودقيقة حول السجناء ان كانوا موجودين في السجون السورية ام لا ،ومحاكمة المتهمين منهم بأية تهمة جنائية او جنحة،كذلك التعاون مع السلطات الأردنية بشأن المتهمين بتهم سياسية او أمنية ،حتى يتم طي هذا الملف نهائيا بروح المودة والإنسانية.
وعلى البلدين ان يدركا بان كليهما عمقا للآخر، فسوريا عمقا استراتيجيا للأردن: عندما يتم حل كافة القضايا العالقة السابقة وتحقيق مزيدا من التعاون الاقتصادي فان الاردن غير مجبر تحت وطأة ضغط الظروف المعيشية الأساسية اللجوء للدول الأجنبية للحصول على الدعم في هذه الحاجيات، وللأسف فقد ذكرت العديد من التقارير العام الماضي بان إسرائيل تجاوبت بشكل اكبر مقارنة بباقي دول المنطقة في موضوع تزويد الاردن بالمياه لسد العجز الكبير الذي يعاني منه. وعلى الجهة المقابلة فان لا أحد يستطيع ان ينكر بان الأردن عمقا استراتيجيا مهما لسوريا، فالإضافة للتعاون الاقتصادي المذكور الذي سيعود بالمنفعة المتبادلة على البلدين، فان للنهضة التعليمية والتكنولوجية التي تحققت مؤخرا في الأردن كذلك الثقل السياسي الذي يحتله في المنطقة والعالم وعلاقاته المتوازنة مع الجميع ما سيدعّم الموقف السوري الخارجي وسيزيد من صلابته في مواجهة التحديات والتهديدات الخارجية.
أخيرا فان رسالتنا الشعبية للاخوة السوريين، بان يتركوا حصان الاقتصاد بين البلدين يقود سياسة البلدين،وبالمحصلة سيكون الاردن جنبا لجنب لسوريا لأنه بالإضافة للمصالح الاقتصادية فان هناك عوامل تقارب كبيرة مشتركة، فلنعطها المجال لان تأخذ دورها الطبيعي.
كما اننا لم نكتب لننتقد، بل لنبين مشاكلنا وجراحنا حتى يصار معالجتها ونعتقد بإمكانية ذلك، بفضل حكمة ورؤية القيادتين الشابتين لجلالة الملك عبدالله الثاني واخيه سيادة الرئيس بشار الاسد،واللتان تمتلكان الاحترام والتقدير في كافة المحافل، فضلا عن الشعور القومي والوحدوي القوي الذي يحرصان عليه .
yousefaboalsheeh@hotmail.com
.................................................
إعلامي وأكاديمي مختص بالشؤون السياسية العربية
0795539615