«واتل عليهم نبأ إبني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين (27) لأن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين (28) فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين (30)»، صدق الله العظيم.
فحينما قتل « قابيل بن آدم» أخيه « هابيل» عليهما السلام، وأراق دم أخيه بسبب لم يكن بتلك العظمة ولا يستحق هذا الجزاء القاسي لأن يراق الدم لأجله. وهي اول حادثة قتل في التاريخ البشري. حينها لم يكن سيدنا « قابيل» يعلم بأن يكون لهذه السنة»بضم السين» مريدوها عبر الأزمان والعصور إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وإذا كان القتل وسفك الدماء اقترنا عبر التاريخ، وفي أحيان كثيرة بالظلم والظلمات، إلا أنهما يمثلان في حالات معينة ومحددة، بينها الله عز وجل، إنتصاراً للعدل والعدالة.
لقد شاءت إرادة الله أن تقع الوقيعة بين الآخ وأخيه « هابيل وقابيل» عليهما السلام، إلا أنه جل جلاله أراد أن يضرب للبشر المثل الفصل في مدى رفضه تعالى للقتل وإزهاق الروح التي خلقها سبحانه فأحسن صنعها. وأن نستخلص، نحن بني البشر، العبر من هكذا أعمال مشينة تمس الحياة البشرية. ومن هنا جاء تأكيد الباريء عز وجل في كل الكتب السماوية المنزلة على وجوب الإبتعاد عن القتل والخراب وسفك الدماء، فقد بان ذلك جلياً في القرآن الكريم، حيث قال تعالى في الأية 32 من سورة المائدة « من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس او فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً» صدق الله العظيم.
وبالرغم من عدالة الله في السماء وحضها بني البشر على الإمتناع عن القتل، وذلك عن طريق أكثر من ثلاثمائة وبضعة عشر رسولاً، ذكر منهم في القرآن الكريم خمسة وعشرين نبياً، من بينهم اولي العزم الخمسة من الأنبياء - الرسل، عليهم جميعاً الصلاة والسلام. إلا أن النفس البشرية بقيت على ضلالتها وسعيها لسفك الدماء وتوقها لقتل النفس البشرية التي حرم الله إلا بالحق.
فقبل الإسلام ونعمته، كانت ثقافة الغزو والسلب والنهب والسبي والإستعباد وهدر الدماء تمثل جزءا من الحياة السائدة للعرب آنذاك وثقافتها. فقد تقاتلت قبيلتا «عبس وذبيان» أربعين عاماً بسبب سباق بين «داحس» حصان قيس بن زهير و«الغبراء» فرس حذيفة بن بدر، والتي عرفت بحرب « داحس والغبراء». وأزهقت في هذه الحرب العبثية والظالمة مئات الأرواح، في اللحظة التي كانت فيها العرب، عاربها ومستعربها، ساحة مستباحة للإمبراطوريتين الفارسية والرومانية، وهو عين ما يحصل اليوم في حاضر العرب. فالدماء العربية تهدر صباحا وتسفك مساءً، وعلى إمتداد الساحة العربية، في سبيل السلطة والتسلط أو حتى من أجل اللاشيء، بل أحياناً تمارس عملية تضليل وتزوير للتاريخ العربي بالإدعاء بأن آلة القتل الرسمية هذه تأتي نزولاً عند إرادة الشعب.. وفي سياق مقارعة المؤامرات الصهيونية والإمبريالية..! اي منطق هذا الذي فيه الحقيقة تقلب؟,,
بكل حسرة ومرارة يسفك الدم العربي وبأيد عربية في اللحظة التي يقف فيها العالم، شرقه وغربه، مستمتعاً بسفك الدم العربي وشامتاً بإهداره، دون أن يحرك ساكناً للمساهمة في وقف الذبح الممنهج للإنسان العربي، بل يسعى وبخبث إلى المساهمة في تنظيم إستمرار إهداره وسفكه !
alrfouh@hotmail.com
الرأي