لم نكن نعرف حين توجهت بنا الحافلة من المدينة الرياضية طبيعة النشاط الذي سنذهب إليه ، فقد أخبرنا الديوان الملكي أن هناك نشاطا للملك في مركز التدريب المهني في منطقة شويعر ، شرق مدينة الزرقاء ، وحين وصلنا المكان وجدناه خلية نحل وسط منطقة مغبرة ، لكنك حين تدخله تشعر أن ثمة حياة أخرى مقتطعة من سياق جغرافيا المنطقة ، حياة تبعث في النفس مشاعر شتى ، لعل أولها أن ثمة من يسهرون ويكدون ويتعبون في تنفيذ مبادرات خلاقة ، تخفف العبء عن المواطنين ، وتترجم هم الملك الدائم إلى واقع ملموس ، يشعر بأثره الناس العاديون الذين لا يهتمون بما تهتم به النخب ،قبل أن أستمع للمتحدثين في حفل إطلاق المبادرة الملكية لم أكن اعرف شيئا عن المسألة ، وفوجئت بعد أن عدت أن هناك مثلي كثيرين لم يسمعوا بالمبادرة ، بل كان ثمة حسرة من بعض المواطنين لأنهم لم يعرفوا بالبرنامج ، ولو عرفوا لسجلوا أولادهم ، فهو فرصة ذهبية توفر مستوى حياة معقولا للشباب.. تعود قصة البرنامج إلى توجيه الملك للحكومة هذا العام الى انشاء شركة بالتعاون بين القوات المسلحة الاردنية ووزارة العمل والقطاع الخاص هدفها تخريج شباب اردني كفؤ ومسلح بالمهنية لاشغال فرص العمل المتاحة التي يوفرها قطاع الانشاءات ، وهو باكورة برامج الشركة الوطنية للتشغيل والتدريب التي أنشئت بامر ملكي لتلبية احتياجات سوق العمل ومتطلباته ، ويتقاضى كل متدرب الذي يتم تعيينه كمستخدم مدني في القوات المسلحة الاردنية 191 دينارا شهريا ، فضلا عن التأمينات الصحية والاجتماعية والسكن والمواصلات ويتم تشغيله بعد انتهاء فترة التدريب التي تستمر عامين في شركات الانشاءات ، وقد تم اختيار مهن مرتبطة بقطاع الانشاءات في ضوء النقص الحاد في اعداد المهنيين المهرة في القطاع الذي يتمتع مهنيوه بدخل مرتفع ويحتاج خلال السنوات الخمس المقبلة نحو 150 الف وظيفة في ضوء توقعات بان يصل حجم الاستثمار في هذا القطاع الى نحو 50 مليار دولار لذات الفترة ، ووفق وزير العمل باسم السالم فأن الاطراف الثلاثة المعنية بالشركة سعت الى تنفيذ هذا المشروع الريادي لتحقيق الهدف الاساسي وهو تخريج شباب اردني كفؤ مسلح بالمهنية لاشغال فرص العمل الكبيرة المتاحة في قطاع الانشاءات ، وهو يتوقع ان يقوم المشروع بتخريج ثلاثين الف شاب اردني مهني محترف للعمل في قطاع الإنشاءات خلال الاربع سنوات المقبلة ، للمساهمة في سد احتياجات الاقتصاد الوطني من فرص العمل المتاحة.
مدير الشركة الوطنية للتشغيل والتدريب العميد صلاح القضاة ألقى المزيد من الأضواء على المشروع الخلاق حين قال ان مشروع التدريب وفرت له شروط نجاح عبر التزامات تعهدت بها الجهات القائمة عليه ، حيث حولت وزارة العمل نحو 13 مركزا تدريبيا مهنيا إلى مراكز تدريب متخصصة لمهن الإنشاءات فقط وربطها إدارياً وفنياً بالشركة الوطنية للتشغيل والتدريب ، كما تم الزام نقابة المقاولين بإعطاء الأولوية لكافة المستخدمين المدنيين للعمل لدى شركات المقاولات خلال مراحل التدريب وبعد تخرجهم وتوفير بيئة العمل المناسبة لهم وعدم منح تصاريح عمل للعمالة الوافدة ضمن المهن التي يتم التدريب عليها الا بعد موافقة الشركة الوطنية للتشغيل والتدريب وفي حال عدم توفر هذه المهن لديها ، أما تمويل برامج الشركة فيتم عبر صندوق دعم التعليم المهني والتقني الذي يمول من رسوم تصاريح العمل وشركات القطاع الخاص ، أما فيما يتعلق بدور القوات المسلحة فقال انها ملتزمة باستخدام مدنيين للتشغيل والتدريب وإعارتهم للشركة الوطنية للتشغيل والتدريب وتأمين الكوادر العسكرية الفنية والإدارية اللازمة لإدارتها من العاملين والمتقاعدين وتنفيذ خطة التدريب العسكري لمدة 6 أسابيع وفقا للأنظمة والقوانين المعمول بها في القوات المسلحة الأردنية ، حيث تقوم بتنفيذ خطة التدريب المهني النظري والميداني على مدار 22,5 شهر لتخريج مهنيين محترفين في كافة المهن الإنشائية من خلال الشركة وتشغيل الخريجين في القطاع الخاص للتشغيل والتدريب ومتابعة شؤونهم بمستوى مهني واقتصادي واجتماعي جيد.
وزير العمل قال في هذا السياق ان القوات المسلحة بذلت دورا كبيرا ومتميزا في عملية تاسيس وتشغيل الشركة واسندت مهامها الوظيفية الى كوادر عسكرية على درجة عالية من الكفاءة والاحتراف والتي انجزت بوقت قياسي بما في ذلك وضع الخطط والبرامج التفصيلية لكافة مراحل التدريب.. ما زاد في ألق الصورة أمر الملك بزيادة اعداد المستفيدين من البرنامج العام الحالي من 1500 الى 5000 متدرب لاستيعاب الطلبات المتزايدة على البرنامج حيث تم توجيه القائمين على المشروع الى اتخاذ التدابير اللازمة لاستيعاب المتدربين الجدد ضمن الدفعة الحالية ، ورفع اعداد المستفيدين ضمن الدورات المقبلة ليصل عددهم الى عشرة الاف لكل عام. المشروع برمته يعد نموذجا حقيقيا للشراكة الوطنية بين القطاع العام والقوات المسلحة من جهة والقطاع الخاص من جهة اخرى ، وهو يسهم في مأسسة عملية التدريب المهني لحل جزء من مشكلة البطالة من خلال ربط جميع برامجه التدريبية بالاحتياجات الفعلية لسوق العمل ، ولا شك أن مواصلة مشاريع التدريب والتاهيل - كما أكد الملك - هي السبيل الامثل لحل مشاكل البطالة وتفعيل دور الشباب واستثمار قدراتهم وطاقاتهم في العمليتين التنموية والاقتصادية التي يشهدها الأردن ، فعلا لا قولا.. وهذا البرنامج خير دليل على ما نقول ، رئيس الوزراء الدكتور معروف البخيت أكد من جهته استعداد الحكومة الفوري لوضع التدابير اللازمة لاستيعاب الاعداد الجديدة التي امر بها الملك وزيادة اعداد المدربين وتوفير مستلزمات التدريب ، ونحن معه حينما قال"اننا امام مرحلة من الانجاز الوطني تتطلب من الجميع بذل الجهود لتحقيق هذا الانجاز" مؤكدا ان ما تم توفيره للمشروع من متطلبات وعناصر نجاح يدعو الى التفاؤل الكبير ، وهو بالمعيار الوطني يساوي عشرات بل مئات المؤتمرات والمحاضرات والخطابات والدراسات عن مشكلة البطالة وكيفية حلها ، كما انه يعطينا مؤشرا على أهمية المبادرات التي يطلقها القصر ، وضرورة ترجمتها فورا إلى مشاريع على الأرض ، لأن الناس تعبت من الكلام وغدت بحاجة ماسة لأفعال تعينها على مواجهة ظروف الحياة الصعبة ، وإن كان من كلمة في الختام ، فالبرنامج بحاجة لتكثيف حملته الإعلامية ، كي تصل فكرته إلى مختلف مناطق وفئات المواطنين ، خاصة أولئك الذي لا يقرأون الصحف ولا يستمعون إلى نشرات الأخبار ، وفي المجمل ، هو برنامج وطني يؤكد ان هناك حلولا فعلية لمشكلة البطالة إن حسنت النوايا ووجدت ألأفكار النيرة ، حلولا واقعية على الأرض ، غير حديثنا الدائم عن أهمية حلها ، ووضعها في رأس سلم الأولويات، ،
helmi@nabaa.net