أسد الأردن .. والتوثيق العلمي لتاريخ البلاد
باتر محمد وردم
07-11-2007 02:00 AM
على امتداد خمس عشرة حلقة نشرت صحيفة الشرق الأوسط السعودية ملخصا مثيرا لكتاب جديد حول حياة الملك الباني الحسين بن طلال رحمه الله يتضمن الكثير من التفاصيل الدقيقة حول أخطر وأهم المراحل التي مرت بها الأردن في العقود المضطربة الماضية. الكتاب من إعداد المؤرخ الإسرائيلي المعروف أفي شليم ويبدو أنه قد حصل على الكثير من التفاصيل والوثائق الهامة حول مراحل حساسة من الحروب والصراعات في المنطقة وقد ضمنها في كتابه الذي سينزل إلى الأسواق قريبا. يؤكد الكتاب مرة جديدة مدى الحنكة والحكمة الهائلة التي تحلى بها الملك الراحل في قيادة الأردن إلى بر الأمان في الكثير من التقلبات التي هددت استقرار البلاد ، وقد أنصف الكتاب الملك الراحل في عدة تفاصيل وخاصة في قضية اجتياح العراق للكويت والدور الكبير الذي بذله الملك الحسين في جمع الموقف العربي ومحاولة حل الأزمة عربيا.
الكتاب الذي نشرته أكبر صحيفة سعودية وربما أكبر صحيفة في العالم العربي ساهم في إجلاء الكثير من الحقائق واثبت مرة أخرى أن الأردن والملك الحسين تعرضا لحملة تشويه مسمومة أثناء حرب الخليج بهدف النيل من مصداقية الموقف الأردني وأن هذه الحملة كانت تحاول إضعاف جهود الملك في التوصل إلى الحل العربي وتهيئة الظروف أمام التدخل الأميركي.
بالنسبة إلينا كأردنيين مهتمين بالشأن العام فإن الكتاب يوضح الكثير من التفاصيل التي بقيت سرية طوال عدة سنوات ، ولكن جنسية المؤلف الإسرائيلي تجعل الكثير من المثقفين والسياسيين الأردنيين يشعرون بعدم ارتياح في الترويج للكتاب ومؤلفه بالرغم من أنه كان منصفا جدا تجاه الملك. وربما يكون من المفارقات أن الكتاب لو كان مسيئا لحصل على دعاية كبيرة من قنوات فضائية وصحف عربية وأحزاب أردنية وعربية ايضا لا تجد أية غضاضة في استخدام مصادر معلومات إسرائيلية مرجعا لمهاجمة الأردن ولكنها لا تستخدم المعلومات الإسرائيلية إذا كانت منصفة ، بحجة أنها معادية.
الكتاب الجديد يظهر مرة أخرى مدى الفقر النوعي الذي تعاني منه المكتبة الأردنية في مجال توثيق التاريخ الحديث للبلاد. هناك كتب كثيرة تتحدث عن الرموز السياسية للاردن وتاريخه الحديث لكن معظمها معد على عجل وبهدف التعبئة العامة داخليا أو الحصول على مكتسبات مادية ومعنوية سريعة ، ولكن لا توجد مبادرات للتوثيق العلمي بما يتطلبه من تحليل وربما نقد وتقييم لتاريخ الأردن من مصادر موثوقة ، وهذا ما يجعل القارئ الأردني بحاجة إلى قراءة كتاب لمؤلف إسرائيلي بسبب عدم وجود الكثير من المؤلفات الأردنية الجادة والجديرة بالقراءة التي تحترم العقل والمنطق.
الأردن بحاجة إلى مشروع وطني لتوثيق الذاكرة السياسية والاجتماعية من خلال مؤلفات علمية تخرج من إطار التعبئة الوطنية إلى التحليل الناقد ، وبحاجة إلى مزيد من الجرأة من الباحثين والمؤرخين لسبر أغوار لم يصلها ضوء المعرفة حتى الآن وإستعادة ذكريات حول كيفية بناء الدولة الأردنية والحفاظ عليها في وقت اصبحت به الولاءات الضيقة تطغى على الولاءات الوطنية واصبحت فيه المعرفة بتاريخ الأردن ضعيفة جدا ولا تتجاوز المقررات المدرسية في أحسن حال.
قراءة الحلقات الخاصة التي نشرتها صحيفة الشرق الاوسط جعلتني اشعر مرة أخرى بالقيمة السياسية والقومية الهائلة للملك الحسين ، وبالكثير من التقدير والشكر لدوره المذهل في بناء الأردن والحفاظ عليه ، ولولا حكمته وذكاؤه وسعة أفقه لكان الأردن قد تعرض إلى الكثير من الصدمات الأمنية والسياسية التي كادت تدمر أمنه واستقلاله ولكن الإدارة الحكيمة للملك الحسين أنقذت الأردن من هذه المخاطر.
batir@nets.jo
.................................
ملاحظة من المحرر : وسيلة الاعلام الاردنية الوحيدة التي نشرت الحلقات نقلا عن "الشرق الاوسط" هي "عمون".