ما الذي يريد الرئيس الباكستاني تحقيقه في بلاده ، عبر التمسك بالسلطة الى هذه الدرجة ، وعبر فرض حالة الطوارئ ، واغراق البلاد في فوضى خلاقة ، وعبر الاصرار على البقاء في السلطة ، رغما عن انف الشعب الباكستاني.
من المؤسف ان يمتد خط النار الامريكي الى كل الدول العربية والاسلامية الكبرى ، ففلسطين تم احتلالها ، والعراق تمت سرقته عيانا جهارا ، وافغانستان تحت الاحتلال ، ولبنان قاب قوسين او ادنى من حرب اهلية ، وطهران تنتظر فجرا دمويا ، والباكستان كقوة نووية اسلامية ، دبت بها "الفوضى الخلاقة" وهي فوضى قد تؤدي الى تقسيم باكستان او اغراقها في حرب سياسية داخلية ، او حتى حرب قبلية او مذهبية ، وسيكتشف مشرف ان كل خدماته لواشنطن ضد الجماعات الاسلامية ذهبت هدرا ، فقد قبض الثمن مقدما ، وعلينا ان ننتظر سقوطا مريعا له ، خلال الفترة المقبلة.
بعض الحكام ، لعنة على شعوبهم ، فالحاكم الذي يجلب الحرب الى بلاده ، دون سبب ، ويجلب النار والفتن والازمات ، هو مجرم بكل المقاييس ، وهو لعنة على شعبه ، حين يعتقد انه باق الى ما لا نهاية ، برغم كل الدروس التاريخية التي اثبتت ان الظلمة لهم ذات النهاية ، وحين ننظر الى بلد مثل الباكستان ، نكتشف ببساطة ان واشنطن تريد فتح معركة داخلية فيه بكل الوسائل ، تبدت اشاراتها بعودة بوتو وقبلها نواز شريف قبل ان يعاد من المطار.
حكم العسكر ، يتهاوى دائما ، فالقمع والارتهان لارادة الاجنبي ، والقتل ، وتقديم الخدمات للاجنبي مقابل الرضى والبقاء في الحكم ، كلها ترسل الحاكم الى جهنم الحمراء ، على الارض ، وتجعله يسقط شر سقوط ، خصوصا ، اذا لم يدرك بعض الظلمة ان واشنطن تتعامل مع مشرف وغيره باعتباره مجرد عريف في مركز امن او مخفر ، ليس اكثر ، له مهماته التي يحصل مقابلها على كثير من المال والوجاهة في الداخل والخارج ، لكنه سرعان ما يتم طرده من الخدمة ، عند ضعفه او وجود بديل اقوى وسيرته غير مكشوفة بعد.
كل هذه الدروس تعلمنا درسا واحدا فقط ، في قمة البلاغة ، حين نختصر الاف القصص في عبرة واحدة ، فالحاكم عليه ان يكون للناس ومن بينهم ، وان لا يخونهم ولا يستقوي بالغريب عليهم ، ولو اتعظ هؤلاء من قبور واضرحة الاف الحكام عبر التاريخ ، لعرفوا انه لا يبقى لهم سوى الكبرياء والمجد ، وهما لا يتحققان الا بالاعمال النظيفة ، وبالانحياز لشعوبهم.
مهما صمد برويز مشرف في موقعه ، فانه راحل في نهاية المطاف ، والارجح ان هذا الوضع في باكستان سيؤدي الى انفجار عام ، يؤدي الى رحيله بطريقة غير متوقعة ، واذا كنا لا نأسف عليه ، في كل الاحوال ، فان كل ما نخشاه هو ان تلتحق باكستان بركب الكيانات المهمشة والضعيفة والمدمرة ، وهي امنية يتمناها اليهود والامريكيون والهنود.. تعددت مشاربهم ، وتوحدوا في عداوتهم ضدنا.
ويبقى قدر المسلمين في العالم ، ان يتعرضوا لكل هذه الحروب والفتن ، واذا كانت هناك اخطاء لا تعد ولا تحصى من جانبنا ، فان حجم العداوة اكبر بكثير من كل التوقعات ، فهم لا يريدون لنا ، الا ان نكون عبيدا في هيكل سليمان ، قيد الانشاء ، وفي احسن الحالات ، ان نكون عبيدا لاموالنا ، وللشهوات ، وان نضيع هذا الدين ، ونتحول الى جماهير لا تجيد سوى الاكل والنكاح ، مثل البهائم ، ونحول الرسالة العظيمة ، الى مجرد ذكريات تاريخية.
على مشرف ان لا يغضب اذا فصله الامريكيون من الخدمة ، فهو في النهاية مجرد موظف صغير.