"ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها" (الشمس، الآيات 7-10).
المشاعر والأفكار والذكريات التي نحملها أو نفقدها هي طاقة منشئة لنا، وموقفنا في الحياة وعلاقتنا بالآخرين. نحن نشكل أنفسنا بهذه الطاقة التي نحلها فينا أو نمنعها أن تحل فينا.
فإن تركنا الحقد والحسد وحب الذات والغرور والرغبة في تدمير الآخرين وإيذائهم تملؤنا، ثم أغلقنا أنفسنا أمام عواطف الحب والتسامح ونسيان الإساءات والرغبة في الخير للآخرين والتواضع، فإننا نشكل أنفسنا على نحو خطير على أنفسنا وعلى المجتمع.. نتحول إلى كائنات خطيرة ومؤذية، ويمكن أن تنفجر في أي لحظة.. كيف نشكل أنفسنا؟
يسلك الناس، أكثرهم، في استحضار الطمأنينة ودفع القلق والهموم في الإغراق في الصلاة والذكر والتلاوة، وهم يحصلون على قدر من السعادة والطمأنينة، وهذا بالمناسبة يحدث لكل ممارسي الطقوس والشعائر الدينية في جميع الأديان، ما يعني أن الشعور بالطمأنينة والراحة ليس مستمدا من صواب الفعل بالضرورة، إلا إذا اعتبرنا جميع الممارسات الدينية صائبة. والمرجح أن الطقوس والرموز الدينية تمنح الطمأنينة، ولكن هذه الطمأنينة ليست هي الشفاء. هذا ما يجب التذكير به برغم أنه يخالف الاتجاه الكاسح في التعبد والصيام والذكر.
وربما يحدث العكس؛ فهذا الشعور الزائف بالجهل يزيد المرض تمكنا واستفحالا،؛ ففي مظنة الشفاء مع استمرار المشاعر المرضية والغرائزية التدميرية والضارة البدائية يغفل الإنسان عن علاج نفسه ومحاسبتها ومحاولة تغييرها، وقد ينظر إلى حالته معكوسة "زين له سوء عمله فرآه حسنا".
والأسوأ من ذلك ما يمنحه العطاء والتدين والتعبد من عيوب وأمراض وعلل جديدة. فمع ضعف التجربة وقلة العلم وهشاشة النفس وضحالتها، يرى المتدين نفسه أفضل من الآخرين، ويبيح لنفسه الاستعلاء عليهم وإلحاق الأذى بهم. وأسوأ من ذلك كله، ما تحل فيه من مشاعر العجب والتكبر على الآخرين، ومظنة أنه أحسن منهم. وهذا أسوأ ما يمكن أن يصيب المتدينين، لأنه يحول التدين إلى مصدر إضافي جديد للعلل، أو يضيف للعلل الكامنة والأصلية عوامل وأسبابا جديدة لتزيد شراسة وتمكنا من النفس؛ فإن كان فاشلا يزيده التدين شعورا بالنجاح الوهمي وأنه لا ضرر من فشله طالما أنه جنى أكواما هائلة من الحسنات؛ وإن كان مقصرا في عمله أو يغش الناس أو يسرقهم، فإنه يرتاح من تأنيب الضمير ولا يجد وازعا ذاتيا للتصحيح والمراجعة؛ وإن كان مليئا بمشاعر الحقد على الآخرين وغياب التسامح، فإن التدين يطلق مشاعره على سجيتها بلا حياء أو وازع لكبتها وتهذيبها، وقد يغلف مشاعره السلبية المرضية تجاه الآخرين بتوهم أنهم أقل شأنا ويستحقون الحقد والكراهية، لأنهم بعيدون عن الدين.
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo
الغد