صحيح إن في الأردن معسكرين ربما يصلا إلى حد التناقض في الطرح، ولكلٍ رؤيته العامة في الإصلاح والنهضة ومعالجة الخلل، لكن الواقع يحكي –بغض النظر عن الحجم- أن خلافاً ما حاصل تجاه الموقف من قانون الانتخابات، في صيغته العامة، ومخالفاته القانونية، فحين أقر قانون الصوت الواحد 1993 قيل حينها إن هناك ظلماً حيث ينتخب الناخب في دائرة أكثر مما ينتخبه في أخرى، فابتدعت الحكومة ومن يقف وراءها في مثل هذه الجوانب "الحكيمة" قانون الصوت الواحد هذا، ثم تطور قليلاً إلى حد تقسيم بعض الدوائر التي على مستوى المحافظة إلى دوائر على مستوى الألوية، ووقعنا في الظلم نفسه من زاوية أخرى، إذ بعض هذه الدوائر تفرز نائباً واحداً، بينما الغالبية تفرز أكثر من نائب، فوقعنا في الظلم إياه من حيث ندري ولا ندري.

يا جلالة الملك، أما وقد صادقت على القانون المعدِّل للانتخابات، واجتهدت في اتباع نصحٍ ربما قُدّم لك من جهة من الجهتين، فأنت حر في النهاية، وهي مسؤوليتك في تحمّل تبعات أي قرار، ولكن الانتصار لفئة دون أخرى ربما يجر البلد إلى ما لا تحمد عقباه، وإن هذه المسرحيات القديمة الحديثة في استرضاء الناس أو الطلب من فئات بعينها أن تروّج للانتخابات بهذا الشكل المحزن الباعث على الألم نتيجة إفلاس الدولة من وسائل الإقناع الحضاري لتلجأ للمخاتير أو العشائر واحدة تلو الأخرى بأنها مع المشاركة، والله إنه أمر مبكي أن وصل الأمر إلى هذا الحد بينما نملك وسائل حوار وتناصح في البلوغ بأردننا إلى القمة، فلم لا نقلد الدول المتقدمة مثلاً ممن تطبق الصوت الواحد والقائمة، أليس هذا حلاً مرضياً.

يا جلالة الملك، لقد أقررت القانون بصورته هذه، فليكن الصوت الواحد، لكنني أطلب منك أن توعز للحكومة بأن تجري نظاماً على القانون تقسم الدائرة إلى دوائر علنية واضحة للناخب والمرشح، بحيث تفرز نائباً واحداً، حينها تكون دائرة واحدة، ونائب واحد، وناخب واحد، فهل هذا مستحيل؟ ولا أظن المعارضة ستبقى محجمة متمنّعة إن تم هذا، إضافة إلى قائمة التمثيل (27) صوتًا.

يا جلالة الملك: هيا نصلح، هيا نلملم أفكارنا وجهودنا لتصب كلها في صالح الوطن، هيا نقطع الطريق على من يريد المزاودة ويتطرف من الجهتين، هيا ننقذ وطناً بالحب والتآلف والوعي، فنتجاوز المرحلة، ويتعاون الجميع، ونكف عن لغة التخوين والاتهام، فنصلح بالبرلمان المنتخب بعدالة وكفاءة قوانيننا، ونسعى جاهدين جميعاً إلى ملاحقة جيوب الفساد –وما أكثرها وأعرقها- لنجنب البلد أية آثار سلبية، صغرت أم عظمت، وحق الوطن يا جلالة الملك أن تنحاز له، وحق الشعب أن تكون أباً وأخاً له كله، فقد اقترفت جهات تطمئن لها بحكم كيانها وما وجدت لأجله، لكنها التي أوصلت الوطن إلى هذه الحالة المحزنة المزرية، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وهي إياها التي لا تريد الحرية والنزاهة والعدالة، عشقت الظلام والظلم معاً، وهي تسعى جاهدة أن لا يشرق فجر حرية وعدالة وقيمة حقيقية للإنسان، لأن هذا سيفسد مصالحها وأنانيتها التي أوصلتنا إلى مرحلة الاستعباد والإذلال والضياع، فهيا نصلح وننطلق إلى حيث سعادة الإنسان ومنعة الأوطان.