سفير الاسد في الاردن .. أحد أبرز عقول استراتيجيا الأمن السياسي في سوريا
26-07-2012 02:10 PM
عمون - نقولا ناصيف - لم تقلّل الضربة الموجعة التي تلقاها الرئيس بشّار الأسد باغتيال أربعة من ضبّاطه الكبار، من أهمية سلسلة التعيينات الأمنية، وتأكيد هذه التعيينات تماسك النظام. اقترن هذا التأكيد بعنف مفرط استخدمه في مواجهة المعارضة المسلحة
....
أثارت تعيينات الأجهزة الأمنية الرئيسية في سوريا، الثلثاء، كمّاً من التكهّنات أحاطت بتوقيتها وبالضبّاط الذين شملتهم، وطرحت أكثر من تساؤل عن المغازي التي توخّاها الرئيس بشّار الأسد، وأخصّها إبراز قبضته على النظام الأمني المتماسك برمته والضبّاط الكبار الأوفياء للنظام. عَنَى ذلك، أيضاً، أن الأسد أدار ظهره كلياً للخارج، وشنّ حملة عسكرية غير مسبوقة باستخدام العنف المفرط ضد معارضيه المسلحين.
لم تكن التعيينات الأمنية بعيدة تماماً عن تداعيات الإغتيال الجماعي الذي قتل في 18 تموز أربعة من الضبّاط الكبار في مبنى مكتب الأمن القومي، إلا أنها لم تملأ في الواقع شغوراً لم يقع. عندما ترأس الاجتماع الأول لحكومة رياض حجاب، أبلغ الأسد الوزراء نيته إجراء تعيينات في الأجهزة الأمنية. لكنه سارع في الساعات التالية لانفجار الأربعاء إلى تعيين وزير جديد للدفاع هو العماد فهد الفريج خلفاً للوزير داود راجحة، ورئيس جديد للأركان هو العماد علي عبدالله أيوب في 22 تموز، وبقيت ثلاثة مناصب شغرت بمقتل شاغليها هم نائب وزير الدفاع العماد آصف شوكت ومعاون نائب رئيس الجمهورية العماد حسن تركماني ورئيس مكتب الأمن القومي اللواء هشام اختيار. المنصبان الأولان رمزيان، والثالث مرشح للإلغاء مع إبصار مجلس الأمن الوطني النور الثلثاء مع أول تعيين فيه لرئيسه اللواء علي المملوك، الموثوق به من الرئيس.
إلى آصف شوكت، يُعدّ المملوك أحد أبرز عقول استراتيجيا الأمن السياسي في سوريا، إذا كان لا بد من التذكير أيضاً بدور مماثل للواء بهجت سليمان الذي يشغل الآن منصب سفير سوريا في الأردن.
خامس الضبّاط الكبار الراقد بين الحياة والموت هو وزير الداخلية اللواء محمد الشعار الذي أصيب في الإنفجار إصابة بليغة، تمنعه من الآن فصاعداً من استعادة دوره ومهماته بعدما بُترت بعض أطرافه. إلا أن الرئيس السوري لن يُسمّي خلفاً له في الوقت الحاضر على رأس وزارة يديرها أربعة من الضبّاط الكبار هم معاونو الوزير. ورغم الدوافع المباشرة لاستعجال إصدار التعيينات، وبعضها اقترن بالنتائج الأمنية والسياسية لتفجير مكتب الأمن القومي أكثر منها ملئاً للشغور، إلا أن الخطأ في التقييم الأمني عزّز حظوظ تفجير 18 تموز.
باستثناء شوكت الذي أحجم عن تناوله، أصيب أعضاء «خلية إدارة الأزمة» بأعراض تسمّم بعدما دُسّ السمّ في طعامهم في أيار الماضي. ثم أتت ردود فعل فضائيات عربية على هذا الحادث بعدما بشّرت بوفاتهم سلفاً قبل التيقّن ممّا أصابهم، وأشاعت معارضة الخارج هذا الخبر، كي يُرسل ذلك كله إشارات صريحة إلى أن فريق الخلية في دائرة الإستهداف المباشر في مكان اجتماعهم، وقد أمكن الوصول إليه في المرة الأولى.
لم يُفضِ التقييم الأمني إلى إجراءات إضافية استثنائية وكافية للحؤول دون تفجير لم يكتفِ بزعزعة هيبة النظام الأمني وصورته فحسب، ومن ثم إرباك خيارات الأسد لسدّ ثغر مقتل هؤلاء، بل منح المعارضة المسلحة معنويات عالية أولى مؤشراتها التي سبقت التفجير، إعلانها قبل أيام منه أنها على أهبة مهاجمة دمشق و«تحريرها » من قبضة النظام.
لم يقتصر الخطأ في التقييم الأمني لدى «خلية إدارة الأزمة» على هذا الإستهداف. بعض المطلعين على مقاربة الضبّاط للإضطرابات جعلت هؤلاء يتوقعون ـ بكثير من المغالاة والثقة المفرطة بالنفس ـ انتهاءها. لم تكن هذه، في المقابل، وجهة نظر المملوك واللواء عبد الفتاح قدسية، الأكثر تماساً بجهازيهما مع الأرض، حينما عبّرا عن قلقهما من تنامي قوة المعارضة.
استحدث مجلس الأمن الوطني قبل نحو سنتين وصدرت مراسيمه، وتأخر تعيينه. ومن دون أن يكون بديلاً من مكتب الأمن القومي، فإن الأخير بات غير ذي جدوى في ضوء الفصل الذي أحدثه الدستور الجديد بين الدولة وحزب البعث، ونقل المؤسسات الرسمية التي أخضعها له دستور 1973، ولا سيما منه المادة الثامنة، إلى الدولة. ارتبط مكتب الأمن القومي بالحزب حصراً، وترأسه قبل اختيار الأمين العام القطري المساعد للحزب سعيد بخيتان، ثم خلفه اختيار بصفته عضو القيادة القطرية. لا صلة مباشرة تجمعه بالأجهزة الأمنية الأخرى التي يرأسها الرئيس. بعض دوافع تأجيل إلغائه تأخير انتخابات القيادة القطرية للحزب.
في مكتب الأمن القومي، وداخل حزب البعث، تأسست «خلية إدارة الأزمة» عند اندلاع الإضطرابات، وكان بخيتان رئيسها الأول، ثم خلفه تركماني. لم تكن الخلية معنية بالقرار الأمني والعملاني، فكانت تنكبّ على مواكبة الأحداث ومراقبتها واستكشاف حاجات الناس وإجراء جولات في المحافظات، وترفع رأيها واقتراحاتها إلى الرئيس. ولم يكن بين أعضائها سوى أمني واحد هو آصف شوكت، في منصب غير مرتبط مباشرة بالأجهزة الأمنية بصفته نائباً لوزير الدفاع. بذلك افتقرت «خلية إدارة الأزمة» إلى مهمة الإستخبارات.
عندما قُتل ضبّاطها الأربعة، كان في ظنّ منفّذي الإغتيال حضور قادة الأجهزة الأمنية الآخرين الذين لا يشاركون، أساساً، في اجتماعات الخلية. وتبعاً لأدوارهم ومسؤولياتهم، يشكّل قادة الأجهزة الأمنية، وأخصّهم المملوك وقدسية واللواء ديب زيتون واللواء جميل حسن، إلى العميد ماهر الأسد وصهره شوكت (وهما من خارج الأجهزة)، خلية أخرى هي الحلقة الأضيق المحيطة بالرئيس. فإذا بمعظم هؤلاء يتصدّرون التعيينات الجديدة بصفتهم الركائز الصلبة للنظام الأمني.
على طرف نقيض من «خلية إدارة الأزمة»، ومن مكتب الأمن القومي، نشأ مجلس الأمن الوطني كي يتولى تحديد الاستراتيجيات الأمنية وسياساتها والتنسيق بين أجهزة الإستخبارات جميعها والإستعانة بالخبراء وإجراء الدراسات الأمنية، والبحث في تطوير الأجهزة وإمكان دمج بعضها ببعض والإشراف عليها. لا يُوحّد المجلس بين الأجهزة هذه، ولا يُحيل المملوك رئيسها، بيد أنه يجعلها خزّان خيارات السياسات والمعلومات الممهّدة للقرار الذي يتخذه الرئيس بعد مروره بمصفاة غالباً ما شكا من افتقار التنسيق بين الأجهزة إليها.
في جانب من الأخطاء، وبعضها الفادح الذي رافق دور الأجهزة في الإضطرابات، سوء التنسيق في ما بينها وتعامل كل منها مع المواجهات الأمنية على نحو مستقل. للمجلس بذلك دور مزدوج، استراتيجي وتنفيذي، وله إنشاء كليات أمنية، ولا يبتعد عن مواصفات مجلس الأمن القومي الأميركي، ولا في بعض صلاحياته عن مجلسين مماثلين في فرنسا وتركيا. رُفّع المملوك إلى رتبة وزير على رأس مجلس أعضاؤه ألوية كبار في الجيش، وعلاقته مباشرة برئيس الجمهورية.
كان كذلك على رأس مديرية إدارة المخابرات العامة (أمن الدولة)، الوحيدة بين سائر أجهزة الإستخبارات المرتبطة بالرئيس مباشرة، بينما توزّعت الأخرى على مرجعيات دونه: المخابرات العسكرية وشعبة الأمن العسكري والمخابرات الجوّية تابعة لرئاسة الأركان، والأمن السياسي تابع لوزير الداخلية. لا تحجب المرجعية الهرمية للأجهزة الأمنية هذه حقيقة أن الرئيس هو رأس القرار فيها. الأمر الذي أبرَزه دستور 2012 بعد دستور 1973. كلاهما أبقيا على المادة نفسها، الأول في مادته 105 والثاني في مادته 103: رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، ويُصدر جميع القرارات والأوامر اللازمة لممارسة هذه السلطة. وله حقّ التفويض في بعض هذه السلطات.
منذ أحدث مجلس الأمن الوطني رُشّح له أحد اثنين هما شوكت أو المملوك، لكن اندلاع الإضطرابات أخّر تطبيق المراسيم المتصلة به. عُيّن الآن المملوك على رأسه، وقدسية نائباً له ـ وكلاهما قدما من الجهازين الأخطر والأكثر أهمية في مراتب السلطة في النظام هما إدارة المخابرات العامة والمخابرات العسكرية ـ في انتظار ملء الملاك.(تيار).