مشوار الإصلاح طويل وشاق وممتلئ بالعثرات والألغام، وربما أحياناً كثيرة ممتلئاً بالدماء والأشلاء، وهذا ليس غريباً ولا مستهجناً؛ لأنّ مهر الحرية غالٍ، وثمنها باهظ، ولذلك قال أمير الشعراء أحمد شوقي:
"وللحرية الحمراء بابٌ .. بكل يدٍ مضرجة يدق"
ومن هنا فإنّ الحرية لا تنال بالثرثرة وتنميق الكلمات وتدبيج العبارات. ولن ينالها الكسالى المتثائبون الذين يجيدون فنّ الانتظار، والتسمّر خلف شاشات التلفزة لمتابعة الأخبار وقد أصابهم الألم من طول الجلوس وقلة الحركة، ويجيدون إصدار الأحكام وتوزيع الاتهامات على أولئك الذين يضحون بدمائهم وأرواحهم، وتعرضوا للتشريد والمطاردة وتدمير البيوت، واغتصاب النساء والتعذيب والاعتقال في السجون لعشرات السنوات.
تتمثل مهمة معسكر الإصلاح الشاقة في معرفة أعداء الإصلاح الحقيقيين الذين يمارسون لعبة الإعلام والتعبئة المضادة لثورة الشعوب ويبررون أفعال الأنظمة القمعية المستبدة، التي استمرت في لعبة المخادعة والتضليل لعقودٍ طويلة، ويحاولون بكل ما لديهم من مواهب التمويه والتدليس أن يطعنوا الثورة والثوار من الخلف من خلال فنّ التشويه وإثارة الإشاعات، وبلبلة أفكار العامّة، ونقل المشاهد المجتزأة والمعلومات المبتورة الكاذبة.
إنّ كل من يكتب حرفاً يساند فيه حكم طاغية، أو يقر أفعال المستبدين الذين أسرفوا في الدماء، ليس شريكاً في الإصلاح، ولا ينتمي إلى معسكر الثوار، وقد رضي لنفسه أن يكون في خانة أعداء الشعوب، وسجل اسمه في القوائم السوداء التي تختزن في عقول الأجيال وضمائر الأطفال، عندما تتحرر الشعوب من ربقة عصابات القتل.
يريد بعضهم أن يمحو ذاكرة الشعوب ويزور التاريخ في محاولة يائسة لإقناع الشعوب العربية بأنّ هذه الأنظمة القمعية المتسلطة هي فعلاً ضد الأمريكان وضد المستعمرين وضد الصهاينة. وهل الشعوب غافلة عمّا فعل هؤلاء، وهل الشعوب من البلاهة بحيث لا تدرك أنّه ما كان "لإسرائيل" أن تمكث في احتلالها وتستمر في طغيانها وجبروتها إلاّ بفضل هذه الأنظمة الثورية التي لجمت شعوبها ودمّرت إنسانها وحرست حدود عدوها، ووهبته الأرض ومكنته من السيطرة في عام (1967م) في مسرحية هزلية لا تنطلي على الأطفال، ثمّ استمروا بعد ذلك بعشرات السنوات ليمارسوا اللعبة نفسها؟
يريد بعضهم أن يقنعنا بأنّ أمريكا و"إسرائيل" لا تنامان الليل وأنهما تشعران بالرعب من وجود هذه الأنظمة الثورية، التي تجيد فنّ المقاومة على الورق وتجيد فنّ قتل الشعوب في الميدان والفعل الحقيقي، فماذا قدمت هذه الأنظمة على مدى (50) سنة غير تفتيت الشعوب وإثارة النزعات القطرية والعرقية والجهوية، ووأد الحرية وقتل الإرادة الشعبية ومصادرة هوية الأمّة وقبر مشروعها الحضاري، وجعلت الأوطان مستباحة للطيران "الإسرائيلي" يصول ويجول فيها بلا أدنى مقاومة، ثمّ يتفاخرون بأنّهم قدموا أكبر مساعدة للأمريكان بمحاربة "الإرهاب والإرهابيين"، خلال عقود، وكم حاولوا استرضاء الأمريكان عندما انضموا إليه في التحالف الثلاثيني بقيادة أمريكا لتدمير العراق.
لماذا يراهن هؤلاء على ضعف ذاكرة الشعوب ويمارسون لعبة الأنظمة نفسها في الاستغفال والاستهبال؟
rohileghrb@yahoo.com
العرب اليوم