الابن الصغير لمسؤول كبير .. !!
د. هاني البدري
26-07-2012 04:58 AM
كنت قد بدأت أستشعرُ حركةً غير اعتيادية في المكان, قبل أن أهُمَ بسؤال بعض من عاملي هذا المنتجع العقباوي الفخم على الشاطئ الجنوبي من "ثغر المملكة الباسم"، هل المطعم الذي ينشغلون بترتيبات استثنائية واضحة فيه، سيكون جاهزاً لاستقبال زبائنَ على العشاء بين مئات النزلاء القادمين على ما يبدو ضمن برنامج تخفيضي لتشجيع السياحة الداخلية بين الأردنيين!؟
كان العمال والموظفون وعلى رأسهم مديرهم بزيه الرسمي الداكن وكشرته وأوامره التي ينثرها في المكان.. مشغولين بالتسابق مع الزمن لتجهيز مائدة تتوسط المكان قبالة الشاطئ، بعضهم يمسح أرضية المكان بعناية فائقة، آخرون يُجهزون مناديل الطعام ويتفننونَ بطَيّها على شكل زهرة أردنية على ما فهمت، والبعض الآخر منشغلٌ بترتيب الجلسة البروتوكولية مع الحفاظ على كرسي عند رأس المائدة، يبدو أنه لصاحب كل هذه الضجة المُفتعلة، فيما عامل عقباوي يوزع بعض اللوحات التي أجابت عن تساؤلي (الغبي).. المطعم مغلق.
مغلـق..!؟ وإلاَ فلمَ كل هذه الحركة التي لم نعتد عليها من عمالنا وموظفينا، وما مناسبة هذه الهمة العالية التي أصابت الشباب، هم أنفسهم من يقدمون لنا الخدمة بالكاد، وكأنهم يحملوننا على أكتافهم ونكاد لا نقوى على التفوه أمامهم بكلمة شكوى أو انتقاد.. هم أنفسهم.. نفس الوجوه، لكن الهمة والحركة.. غير..
لم آبه باللوحة وأمعنت بالرغبة بالسؤال.. ماذا يجري، فهذا المطعم الوحيد اللائق الذي يُشعرك بأنك في العقبة وأمام البحر، تأتي الإجابة بذات برود اللوحة: المطعم محجوز يا أستاذ.
سهرة فاخرة لمائدة وحيدة تتوسط الموقع فيما بعض المعينين للمهمة، يُبعدون من يقترب: "لو سمحت.. المطعم محجوز"، وحوارات لا تقوى لأن تكون برنامج نكات تافهة في إحدى محطات التلفزة التجارية.
عرفت فيما بعد أن ذلك المنفوخ الصغير هو ابن مسؤول كبير جداً، وذو نفوذ استثنائي كحالة المطعم إياه، وتساءلت مع نفسي عما وصلت له حالة الدنيا في عالم مايزال العدل فيه يعرج مختبئاً وراء بيانات الحكومة والمسؤولين حول المساواة وحقوق المواطن، وكيف يمكن للأوطان أن تُبنى وتزدهر وأولادها يفتقدون العدل وتساوي الفرص..؟!
تذكرت فيلماً لعادل إمام لعب فيه دور وزير يوبخ ابنه الصغير بعد أن اعتدى على تسعة من زملائه في الجامعة فيجيب الولد" "مش معقول يا بابا، قبل أن تكون وزيراً كنا نضرب ثلاثة وأربعة والآن بستكتر علينا نضرب تسعة وأنت وزير".
العدل يعني العدل، وإلاَّ فلن تقوم لنا قائمة ولن نقوى على مواجهة أيامنا الصعبة القادمة، والعدل لا يعني أبداً أن تقوم الدولة بمنح كل أبناء هؤلاء المسؤولين الكبار منحاً دراسية لكبرى الجامعات العالمية فيما آباؤهم قادرون على تدريس الآلاف، والعدل لا يعني أن يقوم أصحاب النفوذ الكبار بالعلاج على نفقة الدولة فيما هم قادرون على بناء مستشفيات خيرية كاملة للمحتاجين فعلاً للعلاج.
أولاد المسؤولين الكبار، يجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم، حتى في المواقع الجاهزة في الخارجية وفي السفارات وعلى كوادر التوظيف المتقدمة، وفي المطاعم التي تُحجز بكاملها لأجل عيون أصدقاء الابن الصغير لمسؤول كبير.. ثم نعود للابتسام على شاشات التلفزيون لنؤكد على العدالة الاجتماعية كمنطلق لعلاقاتنا ضمن الأسرة الواحدة!.
hani.badri@alghad
الغد