لو لم يكن السحور سنة نبوية ، وفيه بركة كثيرة ..لقلت ان صيام ست عشرة ساعة أهون علي كثيراً من الاستيقاظ لنصف ساعة السحور...فالمواد المقدّمة على السحور هي ذاتها «بيض..جبنة..بندورة تسطيح ..كاس قمرة دين..» والمعاناة هي ذاتها..في الاستيقاظ وحفظ التوازن والصحصحة ..لذا أتمنى لو ان مؤسسة الغذاء والدواء تقوم بإنتاج «كبسولات بيض» أو «حقن بندورة»..»أو حبوب جبنة»..نتناولها قبل النوم كما نتناول أدويتنا المزمنة..
يومياً عند الثالثة والنصف فجراً..أفتح رُبع عيني اليمنى / ما يقابلها في عالم السيارات «اول طقة».. مستخدماَ من النظر ما يكفيني للوصول الى «سدر السحور» دون ان اصطدم بالباب او يضرب كتفي بالخزانة أو ادوس بطن أحد الأولاد من هم دون سن الخامسة..اجلس متربّعاً وذراعاي مطويان في حضني .. شعري منفوش مثل الراحل آينشتاين ..وسروالي الصيني مرفوع الى ما فوق السرّة...انتظر بفارغ النعاس إحضار أم العيال ل»محمود» مخفوراً من فرشته الى السحور ... ويومياً أكتشف بأن الصبي قد لبس الشباح ب» الشقلوب» فالنمرة أسفل فكّه تماما بينما قبة الفانيلاً مفتوحة باتساع حتى منتصف ظهره...
ولا أبالغ ان قلت ان الولد يومياً يحلم وهو جالس على المائدة..جفناه مطبقان تماماً..ورأسه يميل تارة على كتفي وتارة على كتف امه...مما يدعوني لأن أنبهه بضرورة تناول السحور بسرعة..(محمود..تسحّر يابا)..يفتح محمود عينيه للحظة يأخذ كسرة خبز ثم يغفو...ثم يميل رأسه يميناً او يساراً حسب الحلم...فأناديه من جديد (محمود..) يفتح عينيه قليلاًً...(تسحّر يابا)...فيقطع لقمة...ثم يغفو...(محمود..)!!! يصحو من جديد..(تسحر يابا..) فيضع لقمته في حضني بدل الصحن...وبعد دقائق أوقظه للمرة العاشرة : (محمود )...يحك رأسه قليلاً (..تسحر يابا ) فيأخذ اللقمة من حضني...ويضعها امامه...ولكثرة ما أنبهه بنفس النغمة وبنفس الكلمات أبدأ أنا بالنعاس...ثم اصحو على عبارة «..تسحّر يابا»...لكن هذه المرة يطلقها محمود تجاهي ..بالتزامن مع أذان الفجر...
هي معاناتي اليومية والمزمنة التي لا أجد لها حلاً منذ رمضانين...فلا استطيع ان اترك سنة السحور، ولا اتجاهل عاطفة الأبوة في التنبيه .. ومشكلتي مع محمود كل يوم: أنه ما بيصحى والا والفجر طالع!...