قبل الهجوم على بغداد في عام 2003 بلغ الضغط أشده على الرئيس العراقي حينها صدام حسين. كان من الواضح أن الهجوم الأميركي واقع، وهزيمة صدام أكيدة، وتقلصت خياراته إلى اثنين: الخروج أو القضاء عليه.
للتاريخ، صدام اختار الأول، حيث وافق من خلال مبعوثه وسكرتيره الشخصي عبد حمود على التخلي عن الحكم وتجنيب العراق الحرب بوساطة مع القيادة الإماراتية. اجتمع القادة العرب في قمة شرم الشيخ، حيث رفض حينها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى إدراج الحل الإماراتي، وانتفض رئيس الوفد العراقي بحجة أنه لا يمكن لصدام أن يستسلم.
صدام في بغداد صار في موقف محرج وأخذته العزة، فتراجع عن الاتفاق وكان ما كان، ولو خرج لتغير تاريخ العراق من دون دماء.
قبل أيام، ألقى السفير الروسي في باريس قنبلة عندما كشف عن أن الرئيس السوري بشار الأسد وافق على التنحي بصورة حضارية، ضمن اتفاق جنيف الذي طبخه المندوب الدولي كوفي أنان، إلا أن المتحدث الرسمي في دمشق سارع لينفي الرواية. ومن المؤكد أن السفير الروسي يدري الحقيقة، لأنه يعرف التفاصيل. وما سماه التنحي «بصورة حضارية»، الأرجح أنه كان يعني تذكرة سفر بلا عودة. ومن المفهوم أن ينفي بشار الرواية السر، لأن فضح الاتفاق قد يسبب انهيارا معنويا سريعا بين قواته وقياداته، إذا علموا أن الرجل الذي يدافعون عن جرائمه يخطط لإنقاذ نفسه وتركهم يواجهون مصيرهم وحدهم.
لا بد أن بشار يشعر بضغط أكبر من ذي قبل بعد انفجار مبنى الأمن القومي. المعلومات الأكيدة تقول إنه تم بفعل فاعل، حيث فجر مكان اجتماع القيادات الأمنية والعسكرية بعبوة ناسفة هربت إلى الداخل ثم تم تفجيرها من الخارج بعد اكتمال عقد المدعوين. يشعر أنه لم يعد في مأمن. هذه هي المرة الثانية التي يتعرض فيها رجاله لمحاولة اغتيال، الأولى لم تنجح، جرت بعملية تسميم طعامهم، وأيضا من خلال أحد موظفيهم في هذا المكان الأكثر سرية وحراسة في دمشق. بشار لم يعد واثقا حتى في حرسه الخاص الواقفين على غرفة نومه، فعلا لا يمكن أن ينام مطمئنا ويتركهم على بابها.
هذا التفكك الحقيقي على الأرض، والانهيار المعنوي المستمر، ووصول المعارك إلى العاصمة، بحيث يسمع طلقات الرصاص وهو يتناول عشاءه، حيث تدور معارك كل يوم في العاصمة، يعني أنه أمام مصير صدام والقذافي، وعليه أن يفر أو ينتهي نهايتهما.
إنما عرف بشار بالعناد والحماقة، وبسببهما ارتكب عشرات الحماقات والجرائم، منذ إصراره على التمديد لإميل لحود، الرئيس اللبناني الذي انتهت فترة رئاسته، وإصراره على إبعاد رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري؛ منعه من الترشح ثم اغتاله، واغتال عشرات من الشخصيات اللبنانية التي عارضته. وعاند منذ بداية الأزمة السورية في العام الماضي، رافضا كل الاقتراحات البسيطة إلى اليوم، دمر سوريا وقتل عشرات الآلاف وانتهى يتسول من أنان مخرجا «حضاريا»!
*نقلاً عن صحيفة "الشرق الأوسط" الدولية