حسنا فعل النظام في الاردن بعدم استخدام القمع الدموي في مواجهة الحراكات الشعبية. ولكن الى متى يمكن الصمود بدون اراقة دماء؟ ومن ثم تدهور الامن والنتيجة الحتمية ستكون انهيار البلد وسقوط النظام.؟
لا يزال هناك متسع من الوقت للانقاذ. الامر لا يتطلب اكثر من حزمة قرارات جريئة تعيد للمواطن كرامته وتعيد للوطن ممتلكاته المسروقة والمباعة.
ليست الانتخابات هي القضية وليست الحريات السياسية وحدها هي ما يطالب به الاردنيون. لقد عشنا سنوات في ظل احكام عرفية وانتخابات مزورة وسرقات ونهب ولكن كانت هناك بحبوحة من العيش وكان البلد يملك ثرواته ومقدراته ومؤسساته.
المطلوب الان قبل الانتخابات وقبل الحريات استعادة الاملاك والموارد المنهوبة والمباعة. الامر اسهل مما يظن كثيرون: قرارات جريئة على مستوى عال باستعادة تلك الاصول المنهوبة.
معروف ان الخزينة لا يمكنها اعادة شراء كل شيء. ولكن الاستعادة ممكنة اذا ما تم تاميم كل الممتلكات والمؤسسات التي تم بيعها للاجانب وتجزئتها على شكل اسهم تباع للمواطنين في سوق عمان المالي. ويكون للخزينة والصناديق الوطنية حصة كبيرة في تلك الاسهم.
المواطن يطالب باستعادة الاسمنت والاتصالات والبريد والكهرباء والمياه والفوسفات والبوتاس وغيرها مما تم بيعه. ومن الطبيعي ان تعاد للمالكين الحاليين اموالهم. ولكن تعاد لهم فقط رؤوس اموالهم التي دفعوها ولا تستعاد بالسعر السوقي الدارج. فيكفي المالكين الحاليين ما نهبوه وما ربحوه طوال الفترة الماضية.
شراء المواطنين لتلك المؤسسات عبر المساهمة فيها هي الطريقة الصحيحة ليشعروا بامتلاكهم لوطنهم ومن ثم تمسكهم به واحترامهم له ودفاعهم عنه. فمحاولات الخصخصة التي تمت جلبت للخزينة ما يقارب سبعة مليارات دولار وكان يجب ان يؤمن هذا المبلغ سداد الديون الخارجية. ولكن الغر يب ان تلك الديون اصبحت الان اكثر من ثلاثة وعشرين مليار دولار. فمن ياكل الدولارات في البلد؟
بعد استعادة الممتلكات ياتي الدور على المحاسبات والمحاكمات لكل الفاسدين الذين ساهموا في البيع ودمروا المؤسسات ونهبوا لاموال والخيرات. لقد كان كثير منهم مؤتمنا على مقدرات البلد لكنهم خانوا الامانة وخانوا الضمير وخذلوا الوطن وكانوا مستشاري السوء لراس الدولة الذي وثق بهم عندما سمح لهم بالعمل في معيته وطلب مشورتهم.
الاصلاح السياسي ياتي بعد ذلك كله. تدمج المؤسسات المستقلة وتتم تصفية المؤسسات الوهمية والهيئات المستقلة التي كانت تنافس الوزارات كونها انشئت لمنتفعين ومحاسيب.
ولا بد من اصلاح قانون ضريبة الدخل وجعلها تصاعدية ووقف الاعفاءات التي لا معنى لها ولا يستفيد منها حقا سوى الاغنياء اصحاب الثروات. ومقابل ذلك لا بد من تخفيض ضريبة المبيعات وخصوصا خارج عمان. اما الجمارك فلا بد من تخفيضها بشكل ملموس او حتى الغاءها وجعل الاردن كله منطقة جمركية حرة وتكون مركز استيراد للمنطقة كلها لياتي اليها تجار الدول المجاورة للشراء وهنا تتم محاسبة المستوردين من خلال ضريبة الدخل وليس معاقبة المشترين بضريبة مبيعات.
بعد هذا الاصلاح واستعادة المؤسسات والممتلكات يمكن الحديث عن اصلاحات سياسية ودستورية. ليكتب دستور جديد ينص صراحة على عدم الجمع بين الوزارة والنيابة بحيث يبقى مجلس النواب المراقب والمحاسب لاداء الحكومة ومشرعا للقوانين . ويؤكد الدستور الجديد على ان الخدمة في النيابة هي شرف وطني ومكافأتها المالية محدودة وتنتهي بانتهاء الخدمة بدون اي امتيازات معيبة مثل تلك التي كانت للمجالس الاخيرة.
ويجب ان ينص الدستور على حرمة بيع اي ممتلكات وطنية عامة مثلما هي حرمة التنازل عن اي جزء من الارض الاردنية. كما ينص الدستور الجديد على ان الاقتصاد الوطني هو مشاركة بين الخزينة والمواطن ولا لزوم لاشراك غير الاردنيين في الاقتصاد الوطني ومهما كان شكل تلك المشاركة.
ومن اجل تحصين العائلة المالكة فيجب ان ينص الدستور الجديد على حظر تولي اي من افرادها او اقربائهم او انسبائهم اي مناصب عليا او ادارات عامة او شركات ومؤسسات وطنية.
اما الانتخابات العامة فان قانون الصوت الواحد قد ينفع بشرط ان يطبق على اصوله كما هو في كثير من دول العالم الديمقراطية مثل بريطانيا على سبيل المثال. صوت واحد يعني نائب واحد. وهذا يتطلب تصغير الدوائر الانتخابية بحيث يكون هناك نائب واحد لكل دائرة والا فليعاد القانون السابق لعام تسعة وثمانين.
لا اعتقد ان هذه الافكار غائبة عن اي شخص مهتم بالشان العام فضلا عن الشخصيات السياسية والقيادية في البلاد. فالجميع يعرف الداء والدواء ويشير اليه ولكن من يعلق الجرس؟ ويتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب؟
الامال الكبيرة الان متعلقة براس الدولة الملك ليقوم بالخطوة الكبيرة الجريئة وانقاذ المملكة .