تغير المناخ أصبح حقيقة لا مناص منها في كافة أرجاء العالم. من يروّج لنظريات علمية وطروحات تحاول التقليل من شأن خطورة تغير المناخ هم علماء ومراكز أبحاث تابعة لشركات الطاقة وخاصة في الولايات المتحدة، وبعض المراكز والباحثين المرتبطين بالدول المنتجة للنفط. من يطرح فكرة عدم وجود تغير مناخ في العالم يشبه كثيرا من بقي يعتقد بأن الأرض مسطحة حتى بعد أن أظهرت الصور القادمة من الأقمار الصناعية أنها كروية.
صحيح أن التقلبات المناخية في التاريخ مرت في سلسلة من زيادة وانخفاض درجات الحرارة، ولكن كل السجلات التاريخية تشير بأن تراكيز الغازات المسببة للاحتباس الحراري بقيت تحت نسبة 280 جزءا بالمليون والتي كانت قبل التطور الصناعي ونفث كميات هائلة من الكربون في الجو. الآن تجاوزت تراكيز الكربون 390 جزءا بالمليون وحتى لو توقفت كافة الأنشطة التي تسبب انبعاث ثاني أكسيد الكربون إلى الجو يوم غد فإن تراكم الكميات الموجودة حاليا سيجعل التراكيز في نهاية الأمر تتجاوز 350 جزءا بالمليون وبشكل دائم مما يعني استحالة العودة إلى التقلبات الطبيعية التي سادت قبل عصر الصناعة.
نحن الآن في مواجهة مناخ يتغير وإلى الأبد. بالرغم من أن التوجه السائد في تغير المناخ هو زيادة في معدل درجات الحرارة في الغلاف الجوي بمعدل يتراوح ما بين 1-4 درجات حتى العام 2050 فإن هذه الزيادة ستكون متباينة في مناطق العالم المختلفة. زيادة الحرارة في معظم المناطق مثل الشرق الأوسط وأميركا الشمالية وجنوب أوروبا ومعظم آسيا ستكون لها عواقب وخيمة وربما غير قابلة للإصلاح في تغيير أنماط التيارات الهوائية وكذلك تيارات المحيطات والتي تنظم المناخ العالمي. لهذه الأسباب شهدنا في السنوات الماضية ظواهر مناخية غير مسبوقة مثل تساقط الثلوج في ليبيا والسعودية، والزيادة الكبيرة في شدة الأعاصير في الخليج العربي وزيادة فترات الحرارة العالية في بلاد الشام وتراجع عدد الأيام المطيرة وحدوث انتقال زمني بمعدل ايام وحتى اسابيع في بداية ونهاية الفصول.
كل هذه لها تأثيرات كبيرة على الإنتاجية الزراعية وعلى أنماط سقوط الأمطار وكمياتها، وفي مناطق مثل الأردن والشرق الأوسط حيث شحة المياه مشكلة كبيرة فإن تغير المناخ سوف يضاعف من هذه المشاكل. الدراسات الوطنية التي وثقتها وزارة البيئة في التقارير المرفوعة إلى الاتفاقية الدولية لتغير المناخ تشير إلى ارتفاع في معدلات الحرارة ما بين 0.4- 2.8 درجة في محطات مراقبة مختلفة منذ العام 1961. في نفس الوقت تم توثيق تراجع في هطول الأمطار بنسبة تتراوح بين 5-20%. وبالنسبة لما يحمله المستقبل فقد بيّنت السيناريوهات المستخدمة وقد بينت جميع السيناريوهات أنه سيكون هناك ارتفاع في درجة الحرارة يقل عن درجتين مئويتين بحلول عام 2050، وقد تبين أن الاحترار سيكون أشد خلال الأشهر الحارة من السنة في حين أنه من المتوقع أنه سيكون هناك احترار أقل في الأشهر الباردة من السنة. ويترافق ذلك مع تراجع في كميات الأمطار يصل إلى 20% تقريبا في العام 2050.
الأردن ليس من الدول المؤثرة عالميا في تغير المناخ فكل كميات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لا تجاوز 20 مليون طن (حسب إحصائيات 2000 وهي الأحدث) وهي نسبة تقل عن انبعاثات ناتجة عن شركة أميركية واحدة مثل وول مارت، ولكن الأردن دولة متاثرة بشكل كبير ومن الحكمة أن يتم التفكير في كيفية التكيف مع تغير المناخ في كافة القطاعات المتأثرة، لأن ما نعتبره اليوم موجات من الحر الشديد في الصيف سيكون الجو السائد في السنوات القادمة.
تم في السنوات الثلاثة الماضية بذل جهد كبير في البحث العلمي وتطوير السياسات الخاصة بتغير المناخ في الأردن ولكن لا يزال هنالك الكثير من الجهد المطلوب. وبالرغم من أن الكثير من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية الطارئة والحادة التي تواجهنا حاليا تجعل من الصعب التفكير بالخطر المقبل من تغير المناخ ولكنه أمر لا يمكن تجاهله ومن الضروري تخطيط حكيم للتعامل مع تبعاته وبشكل مبكر.
batirw@yahoo.com
الدستور