يأتي رمضان حاملا معه الهدوء والسكينة والطمأنينة لينعش أرواحنا وقلوبنا، ويزيح عنا تعب الأيام. في المقابل فإن جيوبنا تتحمل عبئا اقتصاديا واجتماعيا مضاعفا بسبب ما افرزته ثقافتنا الاستهلاكية الخاطئة.
لدى كثير من الناس يختلف معنى رمضان الذي يتعاظم فيه الأجر، ويكثر فيه الخير والثواب، وتتضاعف فيه الحسنات، وتكثر بين ساعاته وأيامه معاني السلوك الحميد، والتقرب إلى الله بالطاعات وصلة الأرحام؛ والسبب موازنة الأسر التي تتضاعف عشرات المرات عن الأشهر الأخرى بسبب البذخ والصرف المبالغ به على الطعام والشراب.
ومثل كل عام، تتزين موائدنا بما لذ وطاب من الأطعمة والحلويات والأشربة؛ ونتباهى في تكديس المواد التموينية، وطبخ كميات مهولة من الأطعمة مصير أكثرها لا يكون إلا في حاويات القمامة!!
رمضان لهذا العام يأتي بظروف استثنائية، فهو يتزامن مع حرارة الشمس الحارقة، وساعات صيام نهاره أكثر من ساعات الإفطار في ليله، وبرعاية حصرية مع رفع الأسعار للمواد والسلع والخدمات كافة.
لذلك ما أحوجنا أن نعيد النظر في سلوكياتنا الاستهلاكية الخاطئة، ومحاولة اعادة تدوير مداخيلنا لتكفي حاجاتنا والتزاماتنا غير المنتهية، وذلك يحتاج منا الابتعاد عن الخطة الثلاثينية لقوائم الأغذية التي نتبعها على مدى شهر كامل بما تتضمن من قائمة الأصناف الطويلة على مائدة الإفطار، والتي تخضع لأمزجة ورغبات الصغير في العائلة قبل الكبير..
فالأم لا تتوقف عن التسوق محاولة ارضاء ذوق كافة أفراد العائلة من قوائم الطعام الشهية، أما الأب فيتفنن بشراء ما يشتهيه وما لا يشتهيه، ويشترط تعدد الأصناف على المائدة، وبعد أذان المغرب يشعر بالقهر بسبب الكميات الكبيرة التي لن يطيب له أكلها في اليوم الثاني، أما الأبناء فلهم أيضا طقوسهم الغذائية الاستهلاكية الباهظة الكلفة في رمضان..
ورغم ذلك فإن حجم تذمر الناس في رمضان دائم ولا يتوقف بسبب انعكاسه على فاتورتهم الشرائية العالية للطعام، وما يتبعه من سهر في المطاعم والمقاهي، والتسابق في إعداد الولائم.. وبعد كل ذلك يشتكون!
نحتاج لترشيد طرقنا الاستهلاكية، بعيدا عن هوس الشراء خصوصا مع وقت تزداد فيه الأعباء المادية المترافقة مع ظروف اقتصادية صعبة للغاية.
ولكن، دعونا نتفق على زيادة انفاقنا واستهلاكنا اذا كان بمشاركة الفقراء والمساكين طعام الإفطار. وتقديم العون لهم في هذه الأيام المباركة التي يحتاجون فيها لكلمة طيبة ولقمة هنية من قلب كريم يشعر بمعاناتهم ويقدم لهم العون بعد أن أنهكم التعب والعوز.
رمضان شهر العبادة والشعور مع المحرومين الذين ربما لا يجدون طبقا واحدا يضعونه على موائدهم المتواضعة والخالية من كل شيء..
.. ورمضان كريم.
الغد