لا زيت ولا زعتر ولا زيتون .. وتعيش الحكومة!
جهاد المنسي
22-07-2012 03:39 AM
زمان، قبل 35 سنة أو أقل، كنا صبية، نمتطي ظهر المقبرة الإسلامية في جبل النظيف ليتسنى لنا الاستماع لمدفع الإفطار في رمضان.
أغلب الظن أن المدفع كان يضرب من منطقة جامع أبو درويش في الأشرفية، وما إن يدق حتى ينطلق الصبية -أنا معهم- باتجاه منازلهم وسط الزقاق الضيق لإبلاغ الأهل أن مدفع رمضان انطلق (بطبيعة الحال الأهل استمعوا للأذان، وبدأوا بتناول الطعام)، رغم عدم جدوى انتظار المدفع، إلا إننا نحن صبية الحي كنا نفعل ذلك يوميا.
وقتها كانت الحياة أبسط، كان عنوان رمضان المدفع، والتمر هندي والسوس والخروب، والجبنة، ولم تكن الموائد تفيض عن الحاجة كثيرا، وكان يمكن الاستفادة مما تبقى لليوم التالي، ولم تكن أحوال الناس والأقارب تتفاوت كثيرا عن بعضها بعضا.
وقتها كانت مائدة إفطارغني الحي، لا تختلف كثيرا عن مائدة فقيرها، لم تكن الأصناف تختلف كثيرا، وإن كان البعض "يتهور" أحيانا، ويحضر نوعا آخر من الأكل، وقتها يعرف أغلب سكان الحي أن بيت أبو فلان طابخ كذا، ليس هذا فحسب بل إن جوار أبو فلان سيكون له حظ ونصيب من تلك الطبخة.
آنذاك أجزم أن حياة الناس كانت أبسط، كان يمكن أن يكون الإفطار زيت زيتون وزعترا وطبق بيض، ورمضان كان صلة رحم وعبادة وتقربا إلى الله.
لا أريد أن أصور أن الحياة وقتذاك، كانت مثالية، لا تشوبها شائبة، ولكني أجزم أنها كانت أبسط والناس أكثر قربا من بعضهم، وأكثر مودة وتواصلا.
كبرنا، لم نعد صبية، اختفى مدفع رمضان، لم نعد نسمع عنه إلا اسمه، تقلصت المودة بين الناس، توسعت الفروقات، باتت موائد الغني ومتوسط الحال تختلف عن مائدة الفقير.
أصبح زيت الزيتون صعب المنال، وأسعاره تقاس بميزان الذهب، وكذا الحال بالنسبة للزيتون، أما الزعتر فقد اختلف لونه، وطعمه ومذاقه باختلاف الأزمان، ساهم في اختلافه دخول مواد كيماوية على خط الإنتاج، فعلت فعلها بجسم الإنسان فما بالكم بالمزروعات.
اليوم، وقد دخل شهر رمضان المبارك يومه الثالث، بدأ الناس يشعرون بلهيب الطقس، يوازيه لهيب الأسعار، فضلا عن انقطاع الماء والكهرباء بشكل دائم.
جاء رمضان، واختلفت أمور البلاد والعباد، فالبلاد تدخل في معركة الإصلاح السلمي بين قوى شد عكسي تريد إبقاء القديم على قدمه، وترفض الجديد وتقاومه، وبين قوى إصلاحية تريد دولة مدنية أساسها القانون والمواطنة وحرية الفرد والمعتقد، وما بينهما قوى تعتقد أن الزمان زمانها، والوقت وقتها، وعليها استغلال الظرف، وقطف ثمار ما يحصل.
أما العباد، فإنهم يقعون تحت وطأة أسعار تكوي جيوبهم وتقوض أحلامهم، وتدفعهم نحو مجهول، فالخضراوات نار، والكهرباء ارتفعت، ورغم ذلك أصبحت تغيب ساعة وساعتين، والمياه لا تأتي وأن جاءت لا تصل للجميع.
أيتها الحكومة (الرشيدة!) القصة بحاجة لوقفة، والمواطن الصامد الذي ذاب خصره من سياسة شد الأحزمة لا يستطيع أن يرى ابنه يصيح من الجوع ويتلوى من العطش، ويصبر.
القصة ليست بحاجة لفانوس سحري أو اختراع العجلة، إنما هي بحاجة لضبط نفقات التقاعد والمياومات وتقليص بدلات السفر، والنظر برواتب الفئات العليا وعدم تبذير هنا وهناك.
أمام هذه الحال لا يسعني إلا استذكار ما جاء به الكاتب التركي الرائع عزيز نيسين في إحدى تجلياته عندما قال: "اصطاد رجل سمكة، فسارع بها إلى زوجته طالباً منها أن تقليها.
لكن الزوجة اعتذرت لعدم وجود زيت.
فقال الرجل لها: اشويها.
فاعتذرت الزوجة لعدم وجود مشواة.
فطلب منها أن تسلقها.
فصرخت فيه الزوجة: لا نملك غازا.
فحمل الرجل السمكة وراح إلى البحر وألقاها في الماء.
فهتفت السمكة: "تعيش الحكومة" !!!
أخيرا هل تعتقد حكومتنا (الرشيدة) أن المواطن المحروم من الزيت والزعتر والزيتون سيبقى يقول كما قالت سمكة (نيسين) تعيش الحكومة؟!
الغد