والله وكأننا نعيش ايام الجاهلية الأولى . فها هي هند بنت عتبة تنزع كبد الصحابي حمزة إشفاءً لغليلها على من مات لها . عذر هند إن كان لها ذلك أنها جاهلية ولا زال في مسامات جسدها حب الثأر . هذه الصورة العربية ليست الوحيدة في تاريخ البشرية . فدراكولا دائم الحضور في المشهد الإنساني . حروب ومجازر الانجلوساكسون لا زالت مجسدة في روايات الأدب الأنجليزي . ومقصلة روبسبير لم تثلم شفراتها .
ما يفرقنا عن العالم الحديث نزوعة نحو أنسنة الإنسان ومنحه مزيداً من الحقوق في الأمن والكرامة والمعيشة والحياة ، وتركه لحياة الوحش الذي عاث في الكون تقتيلاَ وترويعاً . ونحن ننزع عن إنساننا كل يوم جزء من أدميته . وكأن الرسالة المحمدية لم تنزل علينا وكأن بقية الأديان والشرائع السماوية لم يمر حاملوها من على تراب هذه المنطقة .
كيف لنا أن نفسر هذه الردة الجاهلية في الأرض العربية ...فالثأر هو الثأر ، وتقطيع الأجساد والتمثيل بالجثث ورقص الزار هو عنوان المرحلة . والدولة تتراجع لحساب القبيلة والقبيلة تتشظى لعشائر .
جلست على صدورنا قيادات طوال مرحلة تشكل الدولة . ولما بانت عوراتها لم تفكر في خسف بعض أوراق الشجر عليها ، بل زادت في كشفها إمعاناً في التحدي .
با الله عليكم من هي الأمة التي أعدمت رئيسها ليلة العيد ؟ . ومن هو القائد الذي سبقنا في وصف الشعب بالمقملين والمهلوسين . ومن هو القائد الذي وجه جيشه الجرار نحو مدنه وقراه ..ليقتل النساء والأطفال والشيوخ ؟ ولنرى في المقابل الجماعات المناوئة التي تهلل وتطبل للديمقراطية ، تنقلب على نفسها في أول يوم من أيام تسلمها السلطة . في غزة ورام الله وهما تحت الاحتلال محاكم التفتيش الفرانكوية . في حلب وحماة ودير الزور تدك المنجنيقات الحديثة جماجم الشعب .
لو أجرينا إحصائية لصرعى الحروب والمصابين والمشوهين لما تفوق علينا أحد . ليبيا بكل نفطها تعجز عن تسديد فواتير جرحاها ...
يا عالم ...يا ساسة ...يا علماء على الورق ...يا مفكرين ..يا فاسدين . ..يا كهنوت ...يا مشايخ ...يا عرب ...دعونا نقلب الصفحة ولو لمرة واحدة ..صفحة الدم والقتل والتعذيب ...لقد أخذتم حصتكم من دمنا ...فدعوا دم أطفالنا ...بالله عليكم .