مع الأسف، يعتقد البعض بنجاعة آليات قديمة عفا عليها الزمن، لخلق رأي عام مساند لفكرته، باعتبار أن إعلانات التأييد والثناء ما تزال تعطي أكلها، دون الالتفات إلى قوة وتأثير وسائل الاتصال الحديثة الأخرى (فيسبوك وتويتر) التي أصبحت أكثر قوة وتأثيرا وإقناعا، وهو ما نشاهده حاليا فيما يتعلق بقانون الانتخاب الجدلي.
فلو تم التدقيق قليلا، لوجدنا أن موقف البعض من المشاركة في الانتخابات المقبلة، والتأييد لقانون الانتخاب الحالي، لم يحظ بتفاعل كما حظيَ "جروب" دعت إليه مجموعة شبابية لمقاطعة الانتخابات، وانضم إليه منذ الدقائق الأولى مئات الشباب.
أستذكر أنه عندما أقر قانون الانتخاب (أول مرة) من قبل مجلس الأمة، خرجت مؤسسات مختلفة، أذكر من بينها نقابات عمالية، لتؤيد ما جاء في مشروع القانون، باعتباره حقق كل ما نريد! وبعد أيام، أمر جلالة الملك بإجراء تعديل على ما تم إقراره لأنه لا يلبي الطموح، ولم ينبس المؤيدون بعد ذلك ببنت شفة.
وحصل التعديل، وتمت زيادة عدد المقاعد المخصصة للوطن من 17 إلى 27 مقعداً، ورغم ذلك أعلنت قوى مجتمع مدني مقاطعتها للانتخابات، كما أنه من حق قوة مجتمع مدني أخرى، سواء كانت أحزابا أو نقابات، إعلان نيتها المشاركة فهذا حقها وموقفها. بيد أنه من غير المقبول أن يستخدم أولئك المقاطعون أو المؤيدون، القبلية والعشيرة والحمولة والعيلة لإعلان الموقف، سواء بالمقاطعة أو المشاركة، فهذا الأسلوب لا يبني دولة مدنية ولا يحقق الإصلاح الذي نريد.
من حقنا أن نسأل في ظل ذاك: من يريد أن يعود 100 سنة إلى الوراء؟ من يريد أن يصور المجتمع الأردني المتطور بأنه مجتمع قبلي جهوي مناطقي؟ من يريد أن ينزع عنا صفة الدولة المدنية وإعادتنا قبائل وحمائل وعشائر وواجهات ومناطق وإقليم؟ من يريد أن يقتل كل ما أنجزه الآباء والأجداد؟! فالدولة بمفهومها العام ضد الإقليمية والعشائرية والجهوية والمناطقية والاصطفافات العائلية، أيا كان سببها ومسبباتها، فمن يريد عودتنا إلى زمن العشيرة باعتبارها مرجع الجميع؟
لست ضد العشيرة بمفهومها الاجتماعي، ولكني ضدها بمفهومها السياسي. كما أنني اجتماعيا أعتز بكل عشيرة أردنية كما اعتز بعشيرتي، ولكن هذا الاعتزاز يقف عند المفهوم الاجتماعي، ويذوب في حضن الدولة؛ الدولة الوطن الجامع الحاضن.
يا من تريدون جرنا إلى الوراء، من حقي أن أدافع عن حلمي بأردن وطني ديمقراطي؛ أردن تحكمه الدولة الحديثة، الدولة المدنية. ومن حقي أن أحلم بمجلس نواب حقيقي يلبي الطموح، قادر على التشريع والرقابة والمحاججة؛ مجلس نواب لا يُهرّب نصاب جلسته لأنه لا يعرف موقف الحكومة؛ مجلس نواب لا يدار بـ"المجاملة" حينا، و"المخاجلة" أحيانا أخرى.
من حقي أن أدافع عن الإصلاح المنشود الذي تحترم فيه الأغلبية رأي الأقلية، ولا تخونها ولا تهاجمها بالمسدسات و"الكنادر" والضرب، كما تحترم فيه الأقلية رأي الأغلبية.
دعونا نفتح حوارا وطنيا شاملا مع الجميع، وننفتح على الآخر بدون عراقيل أو عقد، ونصل إلى نقاط مشتركة تجعل الآخر يشارك. دعونا نحصل على العنب، قبل أن نصحو ونجد أنفسنا لم نحصل على بلح الشام ولا عنب اليمن، فهل نفعل؟!
بعض الوقت ما يزال موجودا، فدعونا نستغله، ونترك خطاب من أنتم؟ ونفتح خطابا جديا واقعيا يرى مصلحة الوطن والمواطن في المقام الأول، خطابا لا يدافع عن فكر قوى الشد العكسي، ويتعامل مع الليبراليين واليسار والإسلاميين، وكل قوى المجتمع الحية، بنفس السوية، ولا يتعامل مع البعض باعتبارهم متآمرين على الوطن!
jihad.mansi@alghad.jo
الغد