الاصرار على التغيير هو السبيل الوحيد للوصول إلى الحال الأفضل، لكن يخيل لك أن كثيرين لا يريدون الاصلاح لأن فيه ما يضايقهم .
هؤلاء الرافضون للتغيير، هم المستفيدون الحصريون من الحاضر البليد، فهم يرفضون ويقاومون تعديل الواقع بما يضمن لهم البقاء أوصياء على الغير دون أيّ استحقاق ومن ذلك مثلاً فيما يتعلق بقضايا تهم المرأة ، فتراهم يهاجمون أي رفع للتمييز والظلم عنها.
إرادة التغيير يفجرها التراكم وليست وليدة صدفة أو مفاجأة ، لكنها مفاجأة لأولئك العابثين في قوت الناس والمستفيدين من الحال البائس للغير، تراهم يفزعون من اي جهود ترفض الواقع الجامد ، لأن هذا الرفض هو الجمرة الأولى التي ستشعل باقي الجمرات وشرارة التغيير التي تقصّر المسافات.
أتذكر مقولة جميلة لأرشميدس: أن بعض الناس يرون الاشياء كما هي عليه في الواقع ويقولون لماذا ؟.. اما انا ، كما يقول أرشميدس، فأحلم بأشياء لم تحدث قط واقول لم لا ؟. وقد انتُقد أحد المفكرين كتاباته التي بدت للمتأقلمين مع الظروف المتاحة بعيدة المنال، واعتبروا أنه ينفخ في قربة مخزوقة لكنه أجاب واثقا ً: «أنا أكتب لقارئ لم يولد بعد». فنخلق أجيالاً تتعلم أن تتسلح بإرادة التغيير كي يتحقق الاصلاح وتبلى الثياب التنكرية إلى خرق. فهل سترضى الأجيال القادمة بفتات الموائد؟.
لن يتعرف الناس على فرادة مجتمعهم إلا حين يكسرون قيد الرهاب من التجديد، فطريق التغيير والإصلاح ليس معبّدا ً، لكنه بوعورته أفضل من بلاء الركود والتقهقر الذي يستولي على العقل والبدن وينخر المجتمعات بالسوس والفساد.
تتسابق الأمم في طرح شعارات ومقولات معلّبة لكنها تتراخى في تنفيذها لفوبيا وراثية تلبستها عبر التاريخ، ولذلك يبدو التمايز بين المجتمعات قائما ً على القدرة في المزاوجة بين القول والفعل، مع وجود الاستعداد النفسي والعملي الموازي للطموحات، وهو ماخلق الفرق بين أمم اشتغلت بالأساسيات ثم تفرغت للكماليات وبين أمم تشتغل بالكماليات دون النظر للأساسيات.
لا تندلع صحوة التغيير من الفراغ، ولا يمكن الإنزواء في مسارات مغلقة إلى الأبد، فلا بد من الخروج من العتمة مهما بدا ذلك صعبا ً. لا لفتات الموائد!.
الرأي