معضلة الاستقرار السياسي في الأردن *د. رضوان المجالي
mohammad
17-07-2012 01:46 PM
يعاني الأردن في الوقت الحاضر أزمة حقيقية على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من حالة من عدم الاستقرار، وهي ظاهرة طبيعية باتت معظم دول العالم تعاني منها، كنتاج طبيعي للتأثيرات الكبيرة التي أفرزتها ظاهرة العولمة واعتماد سياسات نظام القطب الواحد، فلا حيادية للدول في ظل هذا النظام في ظل غياب تيار آخر مضاد لها، فبدأت نتاج السياسات الاقتصادية الرأسمالية والليبرالية تفسد أجواء ومناخ دول العالم، فزادت حدت الصراع وحاله عدم الاستقرار، وزادت السلوكيات والثقافات المصطنعة في خلق واقع جديد أدى على تغييب سيادة الدولة وزيادة أزمات الشرعية والهوية والفجوة بين الدولة والمجتمع، وابتعدت الدولة عن واقعها الاجتماعي، ففصلت عن إطارها الاجتماعي في تركيزاتها على الخيار الاقتصادي، فتفاقمت أزمة المجتمع، وبرزت عيوبه، وباتت معادلة الاستقرار والديمقراطية خياراً لا يمكن تحقيقه في ظل وجود اختلال في التنمية والإصلاح.
حتى الأخير منها لم يكن في وقت من الأوقات خياراً شعبياً أكثر منه مطلباً دولياً، إلا بعد بروز ظاهرة الربيع العربي والتي بدأت تؤثر في الكثير من جوانبها على دول المنطقة العربية، والتي كشفت مدى الهشاشة الواضحة في الأنظمة العربية ومقدراتها على التعاطي مع مطالب المجتمع، والغياب الواضح للإطار المؤسساتي القانوني في تحقيق ثمرات التنمية والتطوير، فوجدت الشعوب العربية بعد إقصائها للأنظمة القائمة وحيده في إعادة بناء النموذج الدولة القومية الحديثة، مما وضعها في موقف صعب في تحقيق خيارات التنمية والديمقراطية، في ظل البحث عن حاله الاستقرار، فأصبح الأمر إعجازي في غياب حالة الوحدة واللحمة الوطنية في تكثيف الصفوف لإعادة الهيكلية لمؤسسات الدولة.
فأصبح الاستقرار هو من العوامل المهمة في بناء الدولة وتطورها، فلا يمكن أن يتحقق هذا الجانب في غياب حاله الإدراك والإيمان والاعتراف بالآخر وضرورة القبول بتبادل الأدوار. فالتخبط وعدم التنظيم، وبروز ظاهره المصلحة الشخصية، والتسلق للوصول إلى نقطه أبعد مما وجدت عليه تلك التيارات السياسية في بداية علاقتها مع الأنظمة السياسية القائمة، هو البداية للصراع على المناصب وللزج في البلاد إلى مصير هو من الغموض ما يثير الريبة بأن المستقبل نحو مزيد من عدم الاستقرار، في الوقت الذي تبدأ فيه السكاكين لتغرس في خاسره الوطن، ولتزيد منه فتناً ودائرة من العنف اللامتناهي..
فالمجتمع الأردني يتمتع بخصوصية تختلف عنها ما هو موجود في الدول العربية، ربما هنالك الكثير من الثغرات والتي أوجدتها الظروف وأخطاء الآخرين، ورغم التعاطي مع قضيه الإصلاح بشيء من الضعف وتشتيت الأفكار، فالتباطؤ والتسارع فيه سمه تبرز مع بروز أزماتنا، ولكن يبقى الحذر يزداد مع بروز ظاهره عدم الاستقرار، وانخفاض مستويات الإدراك الأمني. فالحاجة للأمن والاستقرار أصبحت حاجه لا تتفق مع الحاجة للديمقراطية والحرية، في ظل غياب واقع اقتصادي قوي. فكيف لنا أن نبني نموذج الدولة الحديثة الديمقراطية بدون مقومات التنمية والرفاه الاقتصادي والاجتماعي؟. فوجود الديمقراطية بدون تحقق شرط التنمية وتحسين مستوى المعيشي للمواطن يخلق مزيد من عدم الاستقرار، فمجتمعات دول أوروبا الشرقية استطاعت الانتقال للديمقراطية بعد تحقق شرط التنمية والتطور، فكانت مجتمعات صناعية متطورة ساعدتها على الانتقال للديمقراطية والاستقرار السياسي والاجتماعي.
فأصبحت المشكلات الاجتماعية نتاج طبيعي لفشل السياسات الاقتصادية، وزيادة الفجوة القائمة بين المواطن والدولة، وزيادة الانقسامات الأفقية والرأسية في المجتمع ببروز سلوكيات غير مألوفة في المجتمع، الأمر الذي دفع الحركات الاحتجاجية في الأردن للانطلاق بتأثير واضح مع موجه التغيير في المنطقة العربية، للدعوة إلى ضرورة وجود وضع جديد تتركز فيه المعادلة بالدرجة الأولى على خيار الإصلاح السياسي والتطور الديمقراطي، لكن ما يعيب هذه التوجهات عدم وجود آلية واضحة للتركيز على مطالب متدرجة ذات أسقف زمنيه يمكن أن تتحقق في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها النظام الاقتصادي من حاله انحدار كنتيجة لبرامج التحول الاقتصادي والاجتماعي، يضاف اليها غياب التنسيق، وضعف التنظيم والشك والريبة الأمنية، وغياب دور حقيقي لمؤسسات المجتمع المدني في تلك الحركات، إلا ما ظهر من أدوار أكثر ديناميكيه للجماعة الإسلامية في الأردن في معظم تلك الحركات على مختلف مسمياتها وتصنيفاتها.
وما يضعف دور تلك الحركات ما يدور من حاله عدم استقرار واضح على المستوى الإقليمي والمحلي، بدأت تأثيرات حاله العنف المجتمعي من ازدياد واضح في تفاقم معدلات الجريمة، وتفشي ظاهره المخدرات، وازدياد حالات الانتحار والطلاق، وبروز أصوات مختلفة تدعو للاحتجاج والاعتصام مع المطالب الإقليمية والعمالية، بل أصبحت ذات جوانب فرديه وقبليه، أضعفت الهدف العام للحراك الشعبي في المطالبة في إصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية، بل أن الدعوات بدأت تخرج من إطارها المحلي للإقليمي. ففقدت تلك الدعوات الإصلاحية قوتها مع بروز حاله عدم الاستقرار المحلي والإقليمي، فتشتت الرؤية الواضحة في الهدف العام للحراك الشعبي في الأردن بين فتره وأخرى.
إن مقدار تعاطي النظام السياسي مع حركه المطالب الشعبية كانت متفاوتة في مراحلها المختلفه، نحو الإمكانية والتحقيق، وضمان حدود الدنيا للتعامل مع قوى الدفع والشد العكسي، فأصبحت مرحله تصدير الأزمات وترحيلها من أدوات الأنظمة في التعامل مع قياس الأوضاع القائمة، ومرحله ترقب ما يحدث من الطرف الآخر، في التجاوب أو الرفض... لكن ما يثير امتعاضنا هو خيارنا الأمني وحاله عدم الاستقرار، والتي أظهرت في مراحل مختلفة، ضعف هيبة الدولة وتهاونها في تطبيق القانون- خاصة في التعامل مع حالة العنف المجتمعي. هذا الأمر تبادر للبعض بأن تطبيق معادلة الاستقرار والأمن تضاهي خيارات ومطالب الحركات الاحتجاجية، ففرض الأولى هو أداه ضعفت وأضعفت حدود الاستقرار السياسي والاجتماعي في الأردن.