في غمرة الانشغال بالإصلاح السياسي وقانون الانتخاب والمشاركة في الانتخابات من عدمها، ونتائج كل ذلك على مستقبل البلد ومصيره والسيناريوهات التي تنتظره، تقلص الحديث عن الإصلاح الاقتصادي.
وفي ظل الأسئلة الكثيرة المطروحة حول ما الذي يحدث، والبحث عن حل للخروج من المستنقع السياسي، لم تعد الحلول الاقتصادية حاضرة، وغيبت بدرجة كبيرة، وعاد الإصلاح الاقتصادي ليكون في آخر سلم الأولويات.
المشكلة مركبة وتتعمق يوما بعد يوم، والإصلاح السياسي غيّر مساره أكثر مرة وتعثر بشكل متتال، فيما الحلول المالية مفقودة للتعويض عن هذا النقص والتراخي.
فلو أن الحكومة تتوقع أن تهبط عليها مليارات الدولارات من السماء لتعويض تقصيرها في الإصلاح السياسي بشكل ما، ولو أن لديها أسرارا غير معلنة ستستخدمها كحقن تخدير تعيد معادلة ما قبل الربيع الأردني والعلاقة الرعوية بين الدولة والمجتمع، لخلقت مبررات تمكنها من تأجيل الإصلاح السياسي.
بيد أن الواقع مختلف تماما، والحكومة فقيرة، ومواردها المحلية والخارجية في تراجع، والمؤشرات العامة للاقتصاد تسوء، وثمة مخاوف تتزايد وتهدد الاستقرار المالي والنقدي.
الحكومة في ذات الوقت مصرة على الابتعاد عن الحلول الإصلاحية السياسية الحقيقية التي تعينها على التخفيف من وطأة الوضع الاقتصادي، وهي تصم آذانها وتقصي الآخر، وتسعى إلى فرض معادلات لم تعد صالحة للاستعمال إلا من وجهة نظرها.
المواطن هو الضحية، وهو الذي يعاني من قصور الإصلاحين السياسي والاقتصادي؛ فما يزال يكابد نتيجة كل هذا التقصير، وهو الوحيد الذي ما يزال يدفع ثمن أخطاء الحكومات، وضعف مبادراتها، وهو من تتفاقم معاناته من الفقر والبطالة والغلاء وتراجع المستوى المعيشي نتيجة كل شيء.
وبسبب ما يواجهه من ضغوط اقتصادية، زاد شعوره بالإحباط في ظل تكاثر الضربات التي يتلقاها؛ فتجده قانطا محبطا وخائفا قلقا، لدرجة الاختناق. وعمّق المسألة عجز الحكومة، ما ولد شعورا بفقدان الأمل والطمأنينة، وسط حلول رسمية سطحية غير مدروسة، لا تحفر في العمق للبحث عن الاختلالات ومعالجتها.
ما قبل الربيع، عض الناس على وجعهم، وكبتوا ما عانوا من كل السياسات الاقتصادية، حتى جاء يوم أخرجوا فيه كل ما في جعبتهم. لكن مشاكل المواطن لم تحل، ولم يزل همه الاقتصادي، وكل الحديث عن التنمية المستدامة وتوزيع المكتسبات بلا معنى طالما العجز في دخل المواطن يفوق عجز موازنة الدولة.
صحيح أن الإصلاح السياسي مهم ومؤثر، لكن خطوات الإصلاح الاقتصادي الحقيقية لا تقل اهمية، وخصوصا تلك المتعلقة بالسياسة الضريبية المطبقة، والتي كان من الممكن أن يساهم تسريع وتيرتها في تحقيق نتائج إيجابية تنعكس على الخزينة أولا، وثانيا على المزاج العام كونها تساهم إلى حد ما في إعادة توزيع المكتسبات بعدالة. التشوهات التي تعاني منها الموازنة العامة ما تزال قائمة. وبحسب ما يرشح من معلومات، فإن العمل على إعادة النظر بمعايير بنائها، وتقليص الهدر الحاصل في بنودها تم ترحيله، الأمر الذي يعني أن الأخطاء سترحل لسنة مالية جديدة، يفترض أن يبدأ العمل على إعداد موازنتها بعد مدة. تبدو الحكومة، وفقا لأدائها، فاقدة لكل شيء، ولا تملك وصفات وحلولا باستثناء تلك الأمنية التي فقدت مفعولها بعد الربيع العربي وانكسار كل حواجز الخوف. والاتكاء على هذه الوصفة لن يجلب خيرا.
إذا كانت الحكومة تنأى عن إجراء إصلاح سياسي حقيقي تُتوّجه بإجراء انتخابات برلمانية وفق قانون توافقي يرضي مختلف الأطياف السياسية والمجتمعية، فهل لها أن تقدم إجابات شافية حول أسباب تأخر الإصلاح الاقتصادي الذي سيخدمها هي أولا وأخيرا؟
ماذا تنتظرون لكي تقدّروا الموقف وتقرأوا المشهد بدقة، وتتمكنوا من قياس النتائج قبل وقوع المحذور؟!
jumana.ghunaimat@alghad.jo
الغد