facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أسد الاردن / قصة ملك (الحلقة الخامسة عشرة) ـ الملك حسين أصر على السرية في المفاوضات واستبعاد وزراء الخارجية


05-11-2007 02:00 AM

العاهل الأردني اعتبر اتفاقية السلام مع إسرائيل «تاج إنجازات» حياته السياسية
عمون - لندن: عن «الشرق الأوسط»
كان الملك حسين يشعر بأن هناك حاجة لاتفاقية سلام مع إسرائيل لمواجهة التحدي الذي يمثله المتشددون الفلسطينيون والمتطرفون الإسرائيليون الذين يريدون تحويل الأردن إلى وطن بديل للفلسطينيين. وكان يأمل أن يحقق، من خلال توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، أهدافا أخرى لتأمين وضع العائلة الهاشمية كحامية للمناطق الإسلامية في القدس وإيجاد صلة اقتصادية بالضفة الغربية وحل مشكلة اللاجئين والعون الاقتصادي الأميركي، لكن فوق كل ذلك كان يرى فيها ضرورة لحماية الأردن.وتروي حلقة اليوم من كتاب أسد الاردن الذي تنفرد «الشرق الأوسط» بنشر حلقات منه بالاتفاق مع دار نشر بنغوين ومؤلفه آفي شليم جوانب من العلاقة بين الملك حسين واسحق رابين والثقة التي نشأت بينهما، وتفاصيل عن الاتصالات التي سبقت توقيع اتفاقية السلام في وادي عربة وقادت إليها، وعن تحركات العاهل الأردني لتهيئة شعبه للاتفاقية.

يمثل التوقيع على اتفاقية السلام مع إسرائيل، على حد قول الملك حسين نفسه، «تاج إنجازات» حياته السياسية، كما يمثل أيضا قمة جهود الهاشميين في تأمين المملكة وفي أن يصنعوا لأنفسهم دورا إقليميا ثابتا من خلال تسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي. وفي هذا المضمار فإن الملك حسين يعتبر وريثا حقيقيا لجده الملك عبد الله بن الحسين. كان الملك عبد الله الأول هو الذي بادر عام 1950 بتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل لكن التسوية الكاملة كانت أبعد مما يستطيعه، وفي العام التالي اغتيل على يد أحد الفلسطينيين. واصل الملك حسين السير على خطى جده لأنه يؤمن ويشارك جده في تصوره للمصالح الحيوية لعائلتهما ولبلادهما. ومن أهم هذه المصالح حماية المملكة الهاشمية الأردنية ضد التهديدات الخارجية. وقد تقلصت هذه المصلحة الحيوية عشية التوقيع على اتفاقية أوسلو إلى حماية الضفة الشرقية ضد التهديدات أيا كان مصدرها سواء كان إسرائيليا أو فلسطينيّاً أو سوريا.

كانت هناك حاجة لاتفاقية سلام مع إسرائيل لمواجهة التحدي الذي يمثله المتشددون الفلسطينيون والمتطرفون الإسرائيليون الذين يريدون تحويل الأردن إلى وطن بديل للفلسطينيين. وكان الملك حسين يأمل أن يحقق، من خلال توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، أهدافا أخرى لتأمين وضع العائلة الهاشمية كحامية للمناطق الإسلامية المقدسة في القدس وإيجاد صلة اقتصادية بالضفة الغربية وحل مشكلة اللاجئين والعون الاقتصادي الأميركي. لكن الدفاع عن المملكة كان يفوق أي اعتبارات أخرى. كانت النية من الاتفاقية هي التجديد والتقنين للتفاهم الاستراتيجي مع إسرائيل حتى لا يتضرر الأردن حينما تتقدم إسرائيل والفلسطينيون إلى التسوية النهائية.

كان حسين كجده عبد الله يعتمد بشكل كبير على الدبلوماسية ذات الطابع الشخصي للعمل من أجل التفاهم مع إسرائيل. كانت الثقة بينه وبين اسحق رابين حاسمة في التقدم على طريق السلام. لكن كان هناك مسؤول إسرائيلي آخر لعب دورا هاما لأنه كان شخصا تنطبق عليه المواصفات المناسبة لدبلوماسية الملك حسين ذات الطابع الشخصي، وهو ايفريم هاليفي نائب رئيس الموساد. شكل هاليفي علاقة وثيقة بالملك تطورت مع الزمن إلى صداقة شخصية. ووثق الملك حسين في هاليفي وكثيرا ما سعى لمشورته حول موضوعات داخلية حساسة لا تهم إسرائيل بشكل مباشر. وكانت المهمة الأساسية لهاليفي هي أن يخدم كقناة اتصال خلفية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والملك حسين وأن يتدخل عندما تصل المفاوضات إلى طريق مسدود. وقد قام هاليفي بعدد لا يحصى من الزيارات السرية للملك ولأخيه وكانت وتيرة هذه الزيارات السرية منتظمة.

في الشهور الأخيرة من عام 1993 والشهور الأولى من عام 1994 كانت إسرائيل مشغولة البال بانفاذ إعلان المبادئ للحكم الذاتي الانتقالي وبمفاوضات المسار السوري. وكان الملك حسين يشعر بالقلق من أن الأردن سيهمل. وكان لقلقه ما يبرره بسبب رفض الفلسطينيين أن يأخذوا مصالح الأردن في الاعتبار خلال مفاوضاتهم مع إسرائيل. وفي 4 مايو 1994 توصلت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى اتفاقية يمتد الحكم الذاتي بمقتضاها من غزة وأريحا إلى بقية الضفة الغربية. وقد هددت هذه الاتفاقية إمكانية وصول الأردن إلى أسواق الضفة الغربية ووضع الدينار هناك. لكن التهديد الذي مثلته الاتفاقية للاقتصاد الأردني أدى إلى تنشيط المحادثات بين الأردن وإسرائيل التي كانت تتسم بالبطء. في 19 مايو عقد الملك حسين اجتماعا بمنزله في لندن مع اسحق رابين، وكان المشاركون الآخرون في الاجتماع هم الأمير حسن والياكيم روبنشتاين وايفريم هاليفي . سأل الملك حسين رابين عما إذا كان مستعدا للتقدم فيما يتعلق بمسار المفاوضات الأردني، وحصل على رد ايجابي. وفي هذا الاجتماع سمع الملك لأول مرة أن إسرائيل مستعدة لإعطاء الأردن موقعا متميزا في رعاية الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس في أي تسوية سلام مستقبلية. وكانت هذه بمثابة نقطة تحول في المحادثات. وافق الملك حسين على البدء في إعداد مسودة لاتفاقية سلام وان تنقل المفاوضات التفصيلية من واشنطن إلى المنطقة ثم يمكن، من حيث المبدأ، أن يتم عقد اجتماع علني مع رابين في البيت الأبيض. ووعد رابين، في المقابل، بأن يوصي لدى الرئيس الأميركي والكونغرس بإعفاء الأردن من ديونه الأميركية. وقد أعلن الملك حسين نفسه عن القرار بوصفه قرارا مشتركا نشأ بشكل طبيعي عن التقدم في المحادثات.

في يونيو ذهب الملك حسين إلى واشنطن لتنسيق تحركات السلام مع إدارة كلينتون ولعرض قضية تجديد العون الاقتصادي والعسكري الأميركي الذي كان قد قطع إبان أزمة الخليج. وفي الكونغرس وفي أوساط الرأي العام كان ما يزال هناك استياء تجاه الملك والمملكة الأردنية بشأن المواقف في حرب الخليج. وبطلب من الملك حسين أُرسل هاليفي إلى واشنطن ليساعد في الترتيبات من خلف الكواليس. وكان السفير الإسرائيلي في واشنطن حينذاك، البروفيسور ايتامار رابينوفيتش، صديقا وشريكا سابقاً في لعبة التنس لرئيس الوزراء رابين، وكان، هو الآخر، نشطا خلف الكواليس في إطار الضغط لصالح قضية الأردن. لكن إذا كان للملك حسين توقعات بأن يكافأ على خطوته الشجاعة بإجراء محادثات مباشرة مع إسرائيل فلا شك انه كان سيصدم. لقد ابلغه المسؤولون الأميركيون الذين التقى بهم بأنه لكي ينال أي شيء يجب أن يقدم على تحرك أكثر وضوحا نحو السلام مع إسرائيل. وكانت العودة إلى بلاده خالي الوفاض لها مخاطرها. وفي محنته هذه تحوّل الملك حسين إلى أصدقائه الإسرائيليين. أمر رابين نفسه كلا من هاليفي ورابينوفيتش أن يهرعا للإنقاذ. وأثناء اجتماع مع دينيس روس، منسق عملية السلام، جادل هاليفي بشدة لصالح موضوع الأردن، بما في ذلك طلب سرب طائرات من طراز إف – 16 لتطوير قواته الجوية. التفت روس ناحية هاليفي وقال له «قل لي يا ايفريم من الذي تقوم بتمثيله هنا؟ إسرائيل أم الأردن؟» فرد هاليفي من دون أي تردد «الاثنين».

نصح هاليفي الملك حسين بإعداد خطاب مفصّل بمطالب الأردن قبل اجتماعه بالرئيس الأميركي. عقد الاجتماع في البيت الأبيض في 22 يونيو. أدار كلينتون الاجتماع من دون الركون لأي ملاحظات مكتوبة أمامه لكنه كان قد درس بعمق مطالب الأردن. وقد أقنعت مداخلة كلينتون الملك حسين ومساعديه بان كلينتون يبحث بشكل أكيد عن طرق للاستجابة لمطالبهم. بعد أن تحدث كلينتون عما يمكن أن يفعله وما لا يمكن، انتقل إلى عبء ديون الأردن الأميركية والتي تبلغ 700 مليون دولار. قال كلينتون إن إعفاء الأردن من ديونه يعتبر أهم المطالب الاقتصادية الأردنية، لكن الواقع السياسي هو أن الكونغرس سيرفض إعفاء الديون ما لم تتوفر حجة قوية لاستخدامها لصالح الأردن. عرض كلينتون أن يستضيف اجتماعا وطلب من الملك أن يفكر في ذلك. ومن ناحية سياسية فإن المحصلة الرئيسية لهذه الزيارة كانت في المشاركة الشخصية للرئيس الأميركي. وكان ذلك عنصرا مشجعا للغاية بالنسبة للملك حسين لأنه يضع وزنا كبيرا للعلاقات الشخصية. في 4 يوليو بعث الملك حسين برسالة يقترح فيها اجتماعا ثلاثيا على مستوى الوزراء على البحر الميت يسبقه اجتماع بين المفاوضين الأردنيين والإسرائيليين. وفهم الأميركيون أن هذا الترتيب هو طريقة الملك في تطبيع جمهوره وقبل الإسرائيليون ذلك بنشاط وهمة.

ذكر الملك حسين في خطابه للبرلمان في 9 يوليو أن الوقت قد حان بالنسبة للأردن للتقدم بأجندة سلامه الخاص مع إسرائيل وان اجتماعا علنيا مع القيادة الإسرائيلية سيمثل خطوة هامة نحو ذلك الهدف. وبعد ثلاثة أيام من ذلك أرسل الملك رسالة إلى كلينتون يقترح فيها عقد اجتماع علني مع رابين يتم في المنطقة وليس في البيت الأبيض وكان ذلك ردا إعلاميا على اجتماع عرفات مع رابين. لكن الأميركيين يتلاعبون بكل أنواع الحوافز المالية، بما في ذلك إعفاء ديون الأردن. وفي النهاية شعر الملك حسين بأنه مضطر وليس لديه خيار، وقال «هذه هي المرة الوحيدة على الإطلاق التي ساومت فيها مقابل الكسب المادي لبلادي»، وفي اليوم التالي أخطر بأن كلينتون سيقدم على إماطة سر المفاوضات ويعلن عن الاجتماع المقبل في واشنطن. لم يعلم الملك حسين والملكة نور، إلا بعد إعلان الأخبار، أن الرحلة الرسمية ستتضمن مأدبة واحتفالا في البيت الأبيض ودعوة للملك حسين ورابين لمخاطبة جلسة مشتركة للكونغرس الأميركي. وقد منح هذا البرنامج الحافل الملك حسين الفرصة التي كان يبحث عنها لعرض رؤيته عن السلام لصانعي القرار الأميركي مباشرة.

منذ هذه اللحظة تحركت الأحداث بشكل سريع. وفي 18 يوليو ظهر رئيسا وفدي المفاوضات الأردني والإسرائيلي في وادي عربة للإعلان عن بدء مفاوضات السلام بين البلدين. عقد الاجتماع في خيمة أقيمت على الحدود على بعد 17 ميلا شمال العقبة. وقال روبنشتاين في خطابه الافتتاحي إن «الخيمة مؤقتة ولكن السلام دائم». وبعد يومين عقد المجالي وكريستوفر وبيريس اجتماعا علنيا في فندق سبأ على البحر الميت في الأردن. وناقش المجتمعون خططا لقنال على البحر الميت وضم شبكتيهما الكهربائيتين وتحويل صحراء وادي عربة الجرداء إلى «قرية للسلام بزراعة مزدهرة ومراكز صناعية وسياحية» وكان للاجتماع مغزى رمزي عظيم وساعد في تهيئة الجمهور الأردني للقاء أكثر دراماتيكية بين ملكه ورئيس الوزراء الإسرائيلي في البيت الأبيض.

كانت المفاوضات وصياغة ما صار معروفا باسم إعلان واشنطن تجري مباشرة بين الملك حسين ورابين بقناة خلفية بمساعدة أكثر مساعديهم ثقة وهما علي شكري وايفريم هاليفي. أصر الملك حسين على فرض سرية مطلقة وعلى استبعاد وزيري الخارجية، الأردني والإسرائيلي، ووزارة الخارجية الأميركية. ومضت المفاوضات كما أريد لها حرفيا حتى آخر دقيقة. وكما خطط من قبل فإن نص الإعلان لم يكشف للأميركيين حتى الليلة السابقة للاحتفال. وأقيم الاحتفال في حديقة البيت الأبيض في 25 يوليو 1994، وقرأ كلينتون النص ثم وقّعه ضيفاه. وقد أنهى إعلان واشنطن حالة الحرب بين الأردن وإسرائيل وألزم البلدين بالسعي لتحقيق تسوية سلمية عادلة ودائمة استنادا إلى قراري الأمم المتحدة 242 و 338. وتعهدت إسرائيل رسميا باحترام الدور الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية في القدس وأعطت أولوية لهذا الدور في مفاوضات الطور النهائي مع الفلسطينيين. وكانت هذه ضربة قوية لعرفات الذي اعتبر أن السيطرة على الأماكن المقدسة هو امتياز يتمتع به الفلسطينيون وطالب بان تكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية.

قدم الرؤساء الثلاثة خطبا بليغة في حديقة البيت الأبيض لكن خطبة الملك حسين كانت الأكثر تأثيرا فقد ارتجل خطابا عن السلام بوصفه تحقيقا لحلم. وتحدث بعمق خاص عن الحاجة للتأقلم الذهني اللازم لبلوغ سلام حقيقي. وقد قوبل خطاب الملك حسين الواضح والقاطع بان حالة الحرب قد انتهت بتصفيق تلقائي عاصف ونال قسطا هاما من التغطية الإعلامية في التقارير التي تناولت الاحتفال.

بعد الحفل عبر كلينتون عن دهشته لدرجة التعارف العالية بين الملك حسين ورابين، وسأل «أخبروني، منذ متى يعرف أحدكما الآخر؟» فأجاب رابين «منذ 21 عاما يا سيادة الرئيس»، لكن الملك حسين صححه وهو يبتسم ابتسامة عذبة: عشرون عاما فقط. ثم شدّد الملك حسين على القول بان الشعب الأردني يرغب في التمتع بالثمار المادية للسلام. شرح كلينتون لرابين أن الكونغرس وحده هو الذي يملك سلطة إعفاء ديون الأردن وطلب منه المساعدة في إقناع الكونغرس بذلك فأجابه رابين ببطء «نعم يا سيادة الرئيس سنقوم بأفضل ما نستطيعه». كان هذا الحديث المختصر والمتبادل، يقدم للأردنيين الحاضرين في تلك اللحظة تعبيرا واضحا ومتميزا لمدى النفوذ الذي تتمتع به إسرائيل وأصدقاؤها في أروقة السلطة الأميركية. وفي مأدبة العشاء التي أقيمت ذلك المساء أثنى كلينتون على الملك حسين لشجاعته والتزامه، وشبَّهه بجده الملك عبد الله الأول مما نال ارتياح الملك حسين».

في اليوم التالي، يوم 26 يوليو، خاطب الملك حسين ورابين جلسة مشتركة للكونغرس الأميركي. وقد طرح الملك حسين في خطابه أمام الكونغرس رؤيته للسلام. وتحدث عن جده الملك عبد الله فوصفه بأنه «رجل سلام قدم حياته من أجل مثل أعلى». وقرب ختام خطابه تناول الملك حسين دور أميركا في تسهيل ودعم تحرك البلدين من حالة الحرب إلى أن يصلا إلى حالة السلام. وقد حيّا أعضاء الكونغرس الملك حسين في نهاية خطابه بالتصفيق بحماس والوقوف له وها هو الآن قد وجد في اسحق رابين صديقا حقيقيا وحليفا يتفهم مخاوفه أفضل من أي حاكم عربي ويرغب في مساعدته.

كان لبعض مساعدي الملك حسين تحفظاتهم حول السرعة التي تحرك بها نحو إبرام اتفاقية سلام رسمية مع إسرائيل. وقد حذّر طاهر المصري، الذي صار رئيس البرلمان، الملك حسين بان الاستعجال للتطبيع قد يكون مضرا. واعترض عدنان أبو عودة على المادة الخاصة بالقدس في إعلان واشنطن لأنها تتضمن أن لإسرائيل حقا قانونيا في ملكية القدس. لكن الملك حسين لم يكن سعيدا بسماع مثل هذه الانتقادات.

بعد أسبوعين من التوقيع على إعلان واشنطن ذهبت الأسرة الملكية إلى العقبة للترتيب للاحتفال بافتتاح أول نقطة عبور بين الأردن وإسرائيل. طار كريستوفر بصحبة عدد من مسؤوليه لحضور الحدث التاريخي. وأرسلت إسرائيل وفدا كبيرا ضم رابين وبيريس وقادة عسكريين وصحافيين، وافتتحت خطوط الهاتف التي دعا إعلان واشنطن لإقامتها بين البلدين، ودشَّنها الملك حسين بمحادثة هاتفية مع الرئيس الإسرائيلي عزرا وايزمان.

شرعت فرق خبراء من الجانبين في العمل في الموضوعات الحساسة حول توزيع حصص المياه وترسيم الحدود ومسائل الأمن المتبادل. وقد عقدت معظم هذه الاجتماعات في منزل الأمير حسن في العقبة. في البداية لم يرغب الإسرائيليون في أن ترد أي إشارة لموضوع اللاجئين، بينما كان من المستحيل بالنسبة للأردن أن يدخل في اتفاقية سلام من دون ذكر لموضوع اللاجئين. وبعد حوار شاق تم التوصل أخيرا إلى تسوية، ورغم أنها لم تكن مرضية بصورة كاملة للأردنيين إلا أنها سمحت بإيراد الموضوع في الاتفاقية. وكان النقاش حول الموضوع مكثفا وعندما تم تضييق الخلافات لأقصى حد ابلغ المفاوضون رؤساءهم بأن الوقت قد حان تماما لعقد اجتماع على أعلى مستوى. عقد الاجتماع رفيع المستوى في العقبة يوم 29 سبتمبر وكانت أكثر الموضوعات صعوبة هي الأرض والمياه. كانت إسرائيل قد استولت عقب نزاع عام 1967 على أراض أردنية جنوب البحر الميت وشيّدت سلسلة من المستوطنات الزراعية تخصصت في زراعة الزهور. ولتزويد هذه المزارع بالمياه حفرت إسرائيل آبارا داخل الأراضي الأردنية. وقد سطت إسرائيل على ما يزيد عن 380 ميلا مربعا، أي ما تصل مساحته إلى مساحة قطاع غزة تقريبا. وطالب الأردن باسترجاع هذه الأراضي وإنهاء استغلال ثرواته من المياه، بينما اقترح رابين في الاجتماع أن تعترف إسرائيل بالسيادة الأردنية على كل المنطقة مقابل استئجارها للمستوطنات الزراعية. لم يرفض حسين المقترح مباشرة وبدا وكأنه يود المساومة لكن علي شكري وصل في اليوم التالي إلى القدس بطائرة مروحية وسلّم رئيس الوزراء رسالة من الملك تحمل رفضا مطلقا لمقترحه. وقال الملك حسين انه إذا لم يتسلم كامل مساحة المنطقة البالغة 380 كيلومترا مربعا فانه لن يستطيع التوقيع على اتفاقية سلام. في البداية بدا وكأن كل شيء قد انهار، لكن روبنشتاين وهاليفي أُرسلا لإجراء جولة محادثات مكثفة وأخيرا توصلا إلى معادلة أنقذت الوضع.

أيد الملك حسين ورابين التسوية التي تم التوصل إليها وذلك في اجتماعهما بقصر الملك في غرب عمان في 12 أكتوبر.

أكد رابين لمضيفه انه لا ينوي الاحتفاظ بشبر واحد من الأراضي الأردنية أو بقطرة ماء أردنية واحدة. واتفق الزعيمان بأنه يمكن إجراء تعديلات حدودية طفيفة في وادي عربة بتبادل أراض لها نفس الحجم. عاد الطرفان للمفاوضات من جديد لكنهما لم يتوصلا إلى اتفاق بشأن مياه وادي عربة.

تم استدعاء رابين والملك حسين لمعالجة المشاكل العالقة للمرة الأخيرة، والتقيا مرة أخرى في قصر الملك بصحبة عدد كبير من مساعديهم مساء 16 أكتوبر. أجرى الزعيمان مفاوضات مضنية راجعا فيها القضايا العالقة حول الأراضي والمياه واستمرا في التفاوض حتى الرابعة صباحا ثم خلدا للراحة بينما قام المسؤولون بإكمال ما تبقى من تفاصيل وأنجزوا المسودة الختامية للاتفاقية.

تم توقيع اتفاقية السلام بين المملكة الأردنية الهاشمية ودولة إسرائيل في 26 أكتوبر 1994 على الحدود في وادي عربة. وقّع على الاتفاقية رئيس الوزراء الأردني عبد السلام المجالي ورئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين بالإضافة إلى الرئيس الأميركي كلينتون كشاهد. وحضر حفل التوقيع عدد كبير من الشخصيات الأجنبية المرموقة، بما في ذلك وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا ومصر وممثلون عن العديد من الدول العربية الأخرى. وقد نقل احتفال التوقيع عبر القنوات التلفزيونية إلى أعداد هائلة من المشاهدين عبر أنحاء العالم.

رأى الملك حسين السلام بوصفه قمة إنجازات عهده الطويل في الحكم وكان يأمل أن يرى ثماره خلال حياته. وأينما ذكر له أن الإسراع في عملية السلام يجب ضبطه أجاب بأن العكس هو الصحيح، وان التعاون يجب أن يتصاعد ويتوسع للتنسيق من أجل السلام. وقد أدرك أن اتفاقية السلام جاءت مفاجئة لشعبه وان العديد من رعاياه الفلسطينيين واجهوا صعوبة في قبولها وان المعارضة الراديكالية والإسلامية ستفعل كل ما في وسعها لتحطيمها. لكنه، أيضا، كان يأمل، في التحليل النهائي، بأن يأتي الحكم الصحيح على التسوية السلمية من تقييم نتائجها العملية.

حققت اتفاقية السلام فوائد عدة للأردن فقد استرجع أراضيه وموارده المائية واعترفت إسرائيل بسيادة الأردن ووحدة أراضيه واستقلاله السياسي. والتزمت إسرائيل بوقف التحويل القسري للسكان من الأراضي التي تسيطر عليها إلى الأردن. ومع التحرك السريع في تحقيق السلام مع إسرائيل قبل التقدم في المسار الإسرائيلي ـ الفلسطيني استعاد الملك حسين العلاقات الأردنية – الأميركية للمستوى الذي كانت عليه قبل حرب الخليج. وكانت الفوائد المادية التي عادت للأردن على شكل إعفاء ديون ومساعدات اقتصادية وعسكرية فوائد كبيرة للغاية. كما أن شراكة السلام مع إسرائيل ارتقت بأهمية الأردن في نظر الأميركيين.

* غدا: رسالة إحباط من الملك حسين إلى نتنياهو





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :