لا ندري لماذا يحاول البعض مصادرة حقنا في رؤية الكأس كاملاً, وبنصفيه الفارغ والممتلئ, أو حتى برؤية النصف الفارغ فقط, ولماذا يتم اتهامنا بالعدمية إن لم ننظر فقط إلى النصف الملآن, وكأن علينا فقط النظر إلى الإيجابيات دون التأشير على السلبيات, مع أننا نتأثر بكلتا الحالتين, إن لم نقل إن تأثير السلبيات يكون أشد وقعاً, خاصة إن ترك الحبل على الغارب, وبحيث يتحول الحديث عنها إلى جريمة يحاسب عليها القانون, في حين أن التنبيه إلى خلو نصف الكأس, قد يدفع المعني إلى النظر إليه, وعدم التمتع بما يراه إنجازاً في النصف الآخر.
بديهي أن من حقنا كمواطنين المطالبة بكؤوس ممتلئة, ما دمنا نرى أن كؤوس البعض من المسؤولين قد فاضت وكادت تغرقنا, وبديهي أن لاننظر لغير النصف الفارغ من الكأس حين يتم منع رئيس الوزراء من التجول خارج العاصمة, مرة في الكرك وأخرى في اربد, وحين يفر الفاسدون بفسادهم, وكأن الدولة تبارك ما نهبوه جهاراً نهاراً, وتوصيهم بالبقاء خارج البلاد, ليتنعموا بمال الشعب المسروق, وحين يتنمر شرطي السير على السيارة حين تخلو من سائقها, ويفقد الجرأة حين تحمر عيون السائق, تعبيراً عن ما يمكن أن يلحق بالشرطي إن حرر المخالفة, وحين تعجز حكوماتنا المتعاقبة عن التعامل مع أصحاب السيرة النزيهة لتضعهم في الواجهة, وحين تتحول أجهزتنا الاعلامية الى دوائر تابعة لقوى لانعرفها, فلا تملك غير الاذعان.
واجب علينا النظر إلى النصف الفارغ, حين يفرغ خزان سياراتنا من الوقود, بينما سيارات الحكومة تصرف وقوداً بالملايين, لسيارات وظيفتها غير معروفة, إلا إن كان إحضار الانجال من مدارسهم هومهمتها الأساس دون أن نعرف ذلك, وواجب علينا النظر إلى النصف الفارغ حين يتم تنصيب مسؤول في مؤسسة, بهدف ترشيد مصروفاتها, فيبادر إلى فصل عدد من موظفيها, بحجة أنهم زائدون عن الحاجة, دون أن ينسى في أول يوم له في وظيفته الجديدة, طلب تزويده بهاتف خلوي يقارب ثمنه ألف دينار, وطبعا على حساب المؤسسة المتعثرة.
واجب علينا عدم رؤية النصف الممتلئ من الكأس حين تفقد الدولة هيبتها, وهي تتنازل عنها لمجموعات أدمنت خرق القانون, وتمردت حتى على عادات مجتمعنا بالكامل, وهي تتستر بالحراك السياسي الذي بات مطية لكل من هب ودب, وصولاً إلى استيراد حراكيين من خارج الحدود ليرسموا لنا الطريق, وحين نفقد القدرة على الحوار الحضاري واحترام الرأي الآخر فنعمد إلى أسلحتنا كوسيلة بديلة لإثبات وجهة نظر لم تكن بحاجة لغير الهدوء حتى تتضح معالمها ويكون من حق الآخر قبولها أو رفضها, وحين نكتشف أن في بلدنا أكثر من 300 موقع إخباري يتعيش معظمها على الابتزاز ولا ينجو منها إلا من رحم ربي.
لن ننظر لغير النصف الفارغ, ما دام المواطن ينام أردنياً, ليصحو وقد سحبت منه جنسيته, مع أنه من مواليد الكرك أو اربد أو السلط أومعان, وأدى الخدمة الالزامية في الجيش, أيام كانت هناك خدمة, وما دامت أجهزة وزارة العدل عاجزة عن تنفيذ حكم قضائي صدر قبل أكثر من عشر سنوات, وما دام مجلسنا النيابي ليس أكثر من موظف مطيع تحت إمرة السلطة التنفيذية, وما دامت جامعاتنا الرسمية تحولت إلى ساحات معارك بفعل سياسات مدروسة لصرف طلبتها عن تعاطي العمل السياسي, وما دمنا نمر كل يوم بجوار خط الباص السريع, ونلاحظ خلوه من وسائل النقل البطيئة والسريعة, وكأن اتخاذ قرار بشأنه مسألة ننتظر أن يتدخل مجلس الأمن الدولي لحلها.