المشاركة والمقاطعة في ميزان الدولة والمجتمع
ابراهيم غرايبه
16-07-2012 03:25 AM
الأصل في الانتخابات النيابية والعامة أنها أداة المجتمع للتأثير على الدولة. وعلى ذلك، فإن مصلحة المجتمعات في المشاركة، ومصلحة الحكومة في عدم المشاركة. وكانت فكرة القيود والعوائق التي وضعت على المشاركة في الانتخابات، مثل القوائم وسجلات الناخبين والبطاقات الانتخابية، في أصلها محاولة من الطبقات الأرستقراطية في أوروبا لدفع الناس إلى العزوف عن المشاركة، أو لحرمان بعضهم من المشاركة لأسباب إجرائية وشكلية كثيرة.
وما تزال هذه الوسائل تستخدم في الغرب؛ فقد حرم أنصار الجمهوريين في الإدارة الأميركية أعدادا كبيرة من المواطنين، وبخاصة السود، من الانتخاب بشتى الذرائع القانونية، ليقينهم أنهم من أنصار الديمقراطيين. وربما يكون بسمارك، المستشار الألماني الشهير، في أواخر القرن التاسع عشر صاحب الفكرة، عندما صار الانتخاب أداة كاسحة ولا مفر منها لاختيار النواب الذين يحددون بطبيعة الحال الحكومة ورئيسها. ولذلك، فإن المقاطعة الشعبية والمجتمعية للانتخابات هي هدية تقدمها المعارضات والمجتمعات للحكومة، تساعدها في تصميم مجلس النواب.
صحيح أن المقاطعة بنسبة كبيرة تقلل من صدقية الانتخابات، ولكنه تأثير معنوي وليس قانونيا. فالانتخابات تجرى بغض النظر عن مقاطعتها أو العزوف عنها. وفي بعض الدول تكون النسبة المتدنية مأزقا قانونيا، لأنه يشترط لاعتمادها أن تحظى بمشاركة أغلبية الناخبين، ولكن إذا لم تكن قوانين الانتخاب تشترط مشاركة الأغلبية فلا أهمية قانونية للمقاطعة. وبالطبع، فمن الواضح أن الحكومة الأردنية تبدي حرصا كبيرا على رفع نسبة المشاركة، ولكنه حرص يجب أن يقلق المعارضة أكثر مما يطمئنها أو يدفعها إلى الضغط على الحكومة، لأنه حرص يؤكد ثقة الحكومة بنتيجة الانتخابات، أو ثقتها بأن المشاركة لصالحها، وكلما زادت المشاركة سوف تزداد قبولا، ما يعني بالضرورة أنها واثقة بأنها تحظى بتأييد أغلبية المواطنين. وهو ما يفترض أن تسعى المعارضة إلى أن تثبت عكسه، وتؤكد بأنها تحظى بتأييد الأغلبية وليس الحكومة. ومرة أخرى يجب التذكير بأن مصطلح الحكومة يعني في الأردن، وربما فقط في الأردن، طبقة سياسية واقتصادية وليس مؤسسة ولا مجلس الوزراء؛ هذه الثقة التي تظهرها الحكومة (الطبقة) بتأييد الأغلبية وقبولها المتطرف بالاحتكام إلى صندوق الاقتراع هي ما يجب أن تكون موضوع التنافس السلمي بين الطبقات والفئات والتيارات السياسية والاجتماعية.
وفي المقابل، فإن المقاطعة يمكن أن تعني الخوف من صندوق الانتخاب، وتفضيل التأثير والضغط السياسي والإعلامي العام، وخلق حالة مؤثرة في المجتمع والإدارة العامة. وهو أسلوب وإن كان يحتمل النجاح والفاعلية، فإنه أيضا مغامرة سياسية ومعاقبة للذات، وكأن المعارضة تعمل ضد نفسها؛ ففي النهاية تحتاج التيارات والكتل السياسية أن تحول رصيدها الشعبي وتأثيرها السياسي إلى مكاسب نيابية ووزارية، تحاول من خلالها تطبيق برامجها أو التأثير في السياسات العامة والتشريعات.
الأصل أن المقاطعة جرت أو جربت العام 1993، وطالما أن ذلك لم يحدث أثرا فقد خسرت فرصتها وأهميتها، وبخاصة أنها طبقت العام 1997، ومهما كان تقييم تلك التجربة فلا فائدة من تكرارها.
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo
الغد