ليس بالضرورة ان نكون جميعا على مسافة واحدة من الرأي والا لكنا حزبا واحدا , وانتفت حكمة “ دفع الناس بعضهم لبعض “ , ولذا فإن التباين في الرأي أصعب كثيرا في التطبيق ويحتاج الى تهذيب النفس وتمرينها ولا اريد ان ازلف واقول يحتاج الى جهاد , ومن هنا قيمة جهاد النفس العالية , والديمقراطية مكلفة وشاقة على الجميع حكاما ومحكومين , وحاجتها الى المخالب القانونية اكثر من حاجة الرأي الواحد الى البوليسية والهراوات , وفيها ضغط على الاعصاب وتحمّل للنتائج يفوق طاقة الفرد العادية , الذي يميل الى رأيه وحسناته , ويرفض ان يخرج خاسرا , وتحتاج الى وقت من التدريب الشاق والتعود على سماع ما لا نحب وقبول ما لا نعتقد صوابه .
وقانون الانتخاب ابرز تعبيرات هذا الاختلاف وابرز اختباراته , فلا يوجد مسطرة لقياس صوابيته ولا يمكن ان نصل الى اجماع عليه , في بلد يعاني من اشتباكات في الاقليم المجاور والبعيد , وتشابكات فكرية بسبب جَور الجيرة وتعدد الموزييك الديمغرافي , وتداخله مع الوطني والتوطيني , وكل قانون جمعي يستبق حسم المواطنة والهوية الوطنية سيخضع لالاف الاحتمالات والاف التشابكات والتأويلات , ان كان في صفوف الرافضين له او المؤيدين له , فنحن في ظرف لا يمكننا حسم المواطنة فيه الا بالتوافق طوعا او قسرا مع التوطيني , في ظل استبعاد خيارات التحرير والمقاومة على الجبهات العربية كلها وليس على الجبهة الاردنية وحدها , ولو ان الامر محسوم على هذا المستوى لقلنا ان الهوية جمعية بإمتياز وأن المطلوب تحرير الارض الفلسطينية وتحديدا اراضي ال67 وبعدها لكل حادث حديث فإما ان نرفع العلم الوطني لدولة فلسطينية او نعود الى صيغة الوحدة او ندخل في المملكة المتحدة , ويكون الحسم طوعيا للفرد وللدولة .
وبين صفوف الرافضين للقانون الجديد من يرفض صيغة عدد المقاعد على عدد السكان ويعتبرها تمثيلا لمناطق الكثافة السكانية وهو اسم التورية للمناطق او المحافظات ذات الاغلبية السكانية من غرب النهر , بمعنى ان التوزيع العادل للمقاعد حسب عدد السكان يدخل في اشتباك مع التوطيني رغم وطنيته لو ان الهوية محسومة , وبين صفوف الموافقين على القانون من قبل به ودعمه لهذا السبب حصريا , بل انه لجأ الى هذه الصيغة خوفا من الاتهامات المعلبة والطازجة بالتوطين وطمس الهوية الوطنية الاردنية , وهنا لا بد من التذكير ان ابرز الرافضين للقانون قد لامس هذا الوتر وارسل تطمينات لداعميه عندما قال لصحيفة “ المصري اليوم “ بأن كل من حصل على الجنسية الاردنية بعد عام 1988 آثم , اي موافقة ضمنية على فك الارتباط الذي ظلّ يرفضه طويلا ويحول دون دسترنته او قوننته , ومحاولة لملامسة تعريف المواطنة والهوية وحسمها بمن هم قبل 1988 .
اذا اردنا الحديث المعلن والوقوف بنزاهة امام الشارع الاردني , فإن علينا التوقف امام هذا المفصل الرئيس , قبل الولوج الى رفض القانون او قبوله , وعلينا التريث وتفكيك الاحلاف واعادة تركيبها وفقا للموقف من هذا الركن الاساس في التشريع , فنحن لا نريد تشريعا لسكان وهميين او لوطن افتراضي بل نريد تشريعا يضمن اعلى درجات السلم الاهلي والاحساس بالطمأنينة لكل المكونات الديمغرافية على الارض الاردنية .
كثيرون منا يتحدثون عن الرفض والقبول للقانون الجديد ويقفزون عن الحديث المعلن , و يلجأون الى المسكوت عنه في الرفض او القبول واردت هنا ان ابق البحصة واسأل هل حسمنا جدل الهوية , وبالتالي فإن الصيغة المقترحة تكون بتقسيم المملكة الى 75 دائرة انتخابية فردية , بحيث نقسم عدد السكان على عدد المقاعد ويصبح لكل 80 الف مواطن مقعدا برلمانيا , وتكون القائمة الوطنية مفتوحة لجميع المواطنين بواقع 75 مقعدا , ولا يجوز حينها الحديث عن الحقوق المكتسبة , لان ذلك سيدفع للسؤال مكتسبة لمن ومن من فالجميع متساوون ؟ او نقول ان الظرف يحتم علينا ان نقبل بالعدالة الانتقالية وهي عدالة , فنقول ندخل الى الاصلاح بالتدريج والى المساواة بالتدريج ونبدأ بقائمة وطنية ستنجح في تشكيلها بإزالة الكثير من الهواجس وتفك الكثير من التشابكات على ارض الواقع دون تغليف الرفض بالمصلحة الوطنية او القبول على ارضية المصلحة العليا , بل نكون صادقين ونقول انه قبول لمنطق الضرورة الوطنية من اجل تطوير الحالة الاردنية لتشكيل هوية فيها من المقاومة الكثير وفيها من العقل اكثر ؟ الدستور