خيرالله خيرالله : الأردن .. نظام متصالح مع شعبه
14-07-2012 12:29 PM
عمون - من خلال الحديث الأخير الذي أدلى به الملك عبدالله الثاني الى التلفزيون الأردني والذي حدد فيه بوضوح الهدف من الاصلاحات، يتبيّن بما لا يقبل الشكّ ان هناك نوعين من الأنظمة العربية. أنظمة مرفوضة من شعوبها وأنظمة متصالحة معها تعرف الى اين يفترض أن تؤدي به الاصلاحات.
بكلام أوضح، يكمن الفارق بين الأنظمة المتصالحة مع شعوبها وتلك المرفوضة منها في أن الأنظمة القادرة على التعاطي مع المواطن العادي هي الأنظمة التي تعمل من ضمن بيئة البلد. هذه الأنظمة تبادر إلى الاصلاحات من دون أي عقد، مع الاستفادة مما يدور في العالم الحضاري في الوقت نفسه.
هذه الأنظمة، المتصالحة مع نفسها أوّلاً، لا تكتفي بالحديث عن الاصلاحات وتترك آلة القتل تعمل من أجل تأكيد ان لا وجود لحل آخر غير الحلّ الامني. هذه الأنظمة تتجنّب كلّيا اسلوب النظام في سورية حيث حاكم لا علاقة له من بعيد أو قريب بشعبه. انه يتصوّر ان الشعب السوري شعب آخر، شعب على مقاس العائلة الحاكمة، على استعداد للتمجيد بالرئيس يومياً والاعتراف بأفضاله وتجاهل ان هناك اكثر من عشرين ألف قتيل من أفراد هذا الشعب في غضون ستة عشر شهرا هي عمر الثورة الشعبية في سورية. يضاف الى ذلك عشرات آلاف الجرحى ومئات آلاف المعتقلين...
في الإمكان الاسترسال طويلاً في تعداد الفرص الضائعة أمام النظام السوري الذي اعتقد ان في استطاعته اطعام شعبه وسدّ جوعه بالشعارات المضحكة- المبكية، التي لا تنطلي على أحد، من نوع «المقاومة» و«الممانعة».
يمكن أيضاً الحديث عن نظام الرئيس حسني مبارك الذي عزل نفسه في مصر الجديدة (حيث مقر اقامة مبارك في القاهرة) وشرم الشيخ رافضاً الاعتراف بوجود مصر أخرى ترفض التوريث. لم يتمكّن الرئيس المصري السابق والمحيطون به من معرفة ما يدور داخل المؤسسة العسكرية نفسها ومدى استعداد كبار قادة الجيش للوصول الى صفقة مع الاخوان المسلمين من أجل قطع الطريق على وصول جمال مبارك الى الرئاسة خلفا لوالده.
هناك لحسن الحظ زعماء عرب على علاقة بالواقع وبالمواطن العادي وهمومه. هؤلاء يشكّلون بكلّ بساطة مرجعية لشعوبهم. هؤلاء الزعماء ينادون بالإصلاح ويسعون الى حماية المواطن من السقوط في الغوغاء وفي أسر الشعارات. هناك، في الأردن مثلا، ملك يعرف تماما ما يريده الناس. الأهمّ من ذلك انه يعرف كيف يكون مرجعية للأردنيين. ولذلك يسبقهم الى الاصلاحات والى تحديد معالمها وهدفها. كانت الخطوة الاخيرة التي اقدم عليها العاهل الأردنى ذات مغزى كبير. فقد أوعز عبدالله الثاني، بعدما استمع من رئيس مجلس الوزراء ومن رئيسي مجلسي الاعيان والنواب الى ايجاز للمراحل الدستورية التي مر بها قانون الانتخاب، باتخاذ الاجراءات اللازمة، بالتنسيق مع السلطة التشريعية لمعالجة بعض المواد الواردة في القانون الذي أقرّه مجلسا الاعيان والنوّاب اخيرا. ركّز الملك خصوصا على المواد التي تتصل بالقائمة الوطنية.
ولأن الاصلاح لا يكون بالكلام، وجّه عبدالله الثاني بعقد دورة استثنائية لمجلس الامة بداية يوليو الجاري لإجراء تعديل على قانون الانتخاب كي تكون هناك زيادة على المقاعد المخصصة للقائمة الوطنية التي تعتبر من وجهة نظر كثيرين في الأردن، على رأسهم الملك، «ركنا أساسياً في تطوير الحياة السياسية».
ماذا يعني ذلك؟ انه يعني أوّل ما يعني ان في الأردن مرجعية تتابع عملية الاصلاح عن كثب. لا تراجع عن الاصلاح ولا اخلال بالتواريخ المحددة، أي بإجراء انتحابات عامة بموجب قانون جديد قبل نهاية السنة الجارية. اكثر من ذلك، لا مجال لأيّ تردد في الذهاب الى النهاية في الاصلاح مع الأخذ في الاعتبار ما يريده المواطن العادي الذي يطمح الى الذهاب الى الانتخابات بعد إقرار قانون يستجيب الى حدّ كبير لتطلعاته. هذا ما شعر به عبدالله الثاني الذي يعتبر صراحة ان النقاش السياسي، اي نقاش سياسي يجب ان يدور داخل المؤسسات المخصصة لذلك. على رأس هذه المؤسسات مجلسي الأعيان والنوّاب وليس الشارع.
من المهم قطع الطريق على المزايدات والمزايدين وعلى رافعي الشعارات الفارغة في الأردن. هؤلاء لا يريدون أي إصلاحات من اي نوع كان ولا يريدون الخير لا للأردن ولا للأردنيين، كلّ ما يريدونه هو تعطيل العملية السياسية، عن طريق المتاجرة بالدين الحنيف أحياناً وتوزيع الاوهام على المواطن الساذج في احيان اخرى.
في كلّ الاحوال، هناك في الخارج من يحرّك الشارع الأردني ويستثمر في عملية ضرب الاستقرار في المملكة بهدف واضح كلّ الوضوح. يتمثّل هذا الهدف في تخفيف الضغط على النظام السوري لا أكثر ولا أقلّ متجاهلاً ان الفارق كبير بين نظام متصالح مع شعبه في الأردن ونظام آخر مرفوض من شعبه في سورية.
مرّة اخرى، لا عودة عن الاصلاحات في الأردن. الاصلاحات ليست بنت البارحة. الاصلاحات عملية مستمرة منذ قيام المملكة وانتخاب مجلس للنواب عطلته الاحداث الكبيرة التي هددت المنطقة. جاءت بعد ذلك العودة الى الحياة السياسية الطبيعية ابتداء من انتخابات العام 1989. لايزال الهدف نفسه. الهدف تنظيم الحياة الحزبية ونشوء حكومات تنبثق من اكثرية نيابية تمتلك برنامجا سياسيا واجتماعيا ومعارضة تتولّى محاسبة الحكومة بشكل علمي واستنادا الى ارقام بدل الشعارات والاشاعات التي لا أساس لها والتي باتت عملة متداولة في الشارع الأردني، للاسف الشديد.
هناك مرجعية سياسية في الأردن. تعرف هذه المرجعية المتمثلة في الملك ماذا يشكو منه البلد والتحديات التي يواجهها وتعرف ان الاصلاحات مستمرّة. المهمّ ان الشعب في اكثريته الساحقة بات يفرّق بين لغة الارقام من جهة والغوغاء من جهة أخرى.
لعلّ اكثر ما يدركه الأردني العادي ان لا بديل عن الأردن ولا بديل عن الاصلاحات وتنظيم الحياة السياسية في ظروف اقتصادية واقليمية اقلّ ما يمكن ان توصف به انها صعبة وفي غاية التعقيد... لا بديل عن ان تكون المرجعية المتمثلة في نظام متصالح مع شعبه أوّلا. أما الباقي فتفاصيل لا أكثر.
عن الراي الكويتية.