في الوقت الذي نرحب فيه باتفاق مكة لحقن دماء الفلسطينيين، نرى وجوب وضع بعض النقاط على بعض الحروف، حتى لا يسفك الدم الفلسطيني من جديد..خاصة وأن هناك من بين الفلسطينيين من هو جاهز لتكرار فعلته.ظل يسفك الدم الفلسطيني طوال الأشهر الأخيرة بسبب اصرار محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية على أن يرشح هو شخص وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية، وأن ينص كتاب تكليف الحكومة على التزام حركة "حماس" بالإتفاقات والتعهدات الصادرة عن منظمة التحرير الفلسطينية والحكومات السابقة..بل إنه ظل يصر على أن تعترف "حماس" بالمبادرة العربية، التي اقترحها العاهل السعودي على قمة بيروت سنة 2000.
بفضل هذا الإصرار، سفك دم فلسطيني غزير، بقدر ما هو غال وعزيز.
وبفضل هذا الإصرار أفشل عباس العديد من المبادرات العربية، من بينها مبادرة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني..وتحت هذا العنوان تواصل ارتكاب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني..وصولا إلى حرق وتدمير الجامعة الإسلامية في غزة..تماما كما فعل التتار بمكاتب بغداد، حين انهارت الخلافة العباسية على ايديهم وتحت سنابك خيلهم سنة 1958 ميلادية.
ثم فجأة تراجع عباس عن كل اشتراطاته..ووافق على أن ترشح "حماس" شخص وزير الداخلية، فكان أن رشحت لهذا المنصب رجلا فتحاويا، لتؤكد للشعب الفلسطيني أن الخلاف لم يكن مع حركة "فتح"، وإنما مع تيار في الحركة، يصفه رموز بارزون في ذات الحركة بأنه تيار "متأسرل"..!
ووافق عباس على أن تحترم "حماس" التزامات منظمة التحرير والحكومات السابقة..وتراجع عن اصراره على ضرورة موافقة "حماس" على مبادرة السلام العربية.
حدث كل ذلك، دون أن ترفض أطراف اللجنة الرباعية اتفاق مكة الذي تنازل فيه عباس عن جميع شروطه..!!
بل إن واشنطن ذاتها تعاملت مع اتفاق مكة بإيجابية مستترة.
لم إذا كان عباس يؤكد أن المجتمع الدولي لن يرفع الحصار عن الشعب الفلسطيني قبل أن تنبطح "حماس" كما انبطح هو من قبل..؟!!
حين قال عباس مثل هذا الكلام للعاهل السعودي، أجابه ما عليك..وافق أنت واترك الباقي علينا..وقد حدث.
لقد تراجع عباس حين تأكد من أن تعهدات محمد دحلان له بأن ينجح في اسقاط حكومة "حماس" هي مجرد احلام دونها الكثير جدا من الدماء الفلسطينية..بل ودونها كذلك بقاء عباس نفسه رئيسا.
موجة الإقتتال الأخيرة التي أعقبت حرق وتدمير الجامعة الإسلامية، جعلت عباس يدرك كم هو ميزان القوى مختل في غير صالحه، وأن مرور حرس الرئاسة عبر الجامعة الإسلامية من شأنه فقط أن يضاعف كراهية الفلسطينيين لشخصه ولأزلامه، ويعجل سقوطهم، فكان أن تنازل عن كل شيئ..وعلى نحو جعل وجوه أعضاء وفده إلى مكة تبدو محتقنة، خاصة وهم يقرأون نصوص ما تم التوصل إليه.