النظام السياسي الاردني : لين كالماء ،صلب كجلمود صخر .. تيسير النعيمات
12-07-2012 04:29 PM
منذ ما يزيد على عام ونصف العام ،ونحن نسمع ونقرأ( سياسيين ، وكتابا ، وحزبيين ) يحذرون الدولة الاردنية والنظام السياسي من الويل والثبور اذا لم تقم بالاستجابة لبعض الضغوط الداخلية والخارجية في تنفيذ نوع محدد من الاصلاحات السياسية والا ، بحسب رأيهم فان الربيع العربي مقبل علينا ، بل وصلت وبشكل واضح المطالب بتنفيذ ما يطلقون عليه الملكية الدستورية والحد من صلاحيات جلالة الملك وسن قانون انتخاب ونظام انتخابي محدد والا الويل والثبور .
وفي كل مرة يستخدمون مبررات جديدة للتحذير فتارة ما حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن ، ثم ما يحدث في سوريا واخيرا فوز مرشح جماعة الاخوان المسلمين في مصر محمد مرسى في انتخابات الرئاسة .
وظن العديد من هؤلاء ومنهم حسن النية ومنهم سيء النية له اجنداته الخارجية او مرتبط بمراكز التمويل الاجنبية واغلبهم جاهل لم يقرأ تاريخ الدولة الاردنية ومن لم يقرأ التاريخ ويفهمه لا يمكنه ادراك الواقع وتحليله والتنبؤ بالمستقبل .
هذه المقدمة سقتها لكي اعود بالقاريء الى فترة الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي واذكر بالاحداث التي مرت بها الدولة الاردنية ونظامها السياسي ، لا كي اسقطها على واقنعنا الحالي ولكن لاخذ الدروس والعبر منها لفهم الظروف والاحداث الراهنة ومدى تأثيرها على الدولة الاردنية والنظام السياسي الاردني ، الذي توهم البعض ان الدولة الاردنية ضعيفة ولو قرأوا التاريخ لادركوا انها اكثر صلابة من الصخر الجلمود وان ما يرونه ضعفا هو في الحقيقة لين .
ولنعد ولنتذكر معا ان خمسينيات وستينيات القرن الماضي شهدت مدا قوميا وشيوعيا عارما في المنطقة العربية ففي سوريا كان يسيطر البعث وشهدت انذاك جملة من الانقلابات قبل واثناء سيطرة البعث ، وفي العراق انتهى حكم النظام الملكي الهاشمي عام 1958 بانقلاب دموي ، وفي مصر كان جمال عبد الناصر في سدة الحكم وكان تأثيره في الوطن العربي كبيرا جدا فكان خطاب له كفيل بتحريك مسيرات يخرج فيها الالاف في العديد من المدن الاردنية بضفتيها ، فضلا عن احزاب سياسية تدين بالولاء اما لعبد الناصر او للبعث او الاتحاد السوفييتي .
ووصل نفوذ ووجود اتباع عبد الناصر والبعث الى داخل المؤسسة العسكرية الاردنية والقوات المسلحة وكلنا يعرف المجموعات التي كانت تطلق على نفسها الضباط الاحرار كل ذلك جاء في ظل الغاء المعاهدة الاردنية البريطانية وتعريب الجيش ووقف المساعدات البريطانية وفي ظل محيط عربي غير ودود لا سيما مع المشروع الهاشمي الوحدوي .
في ظل هذه المعطيات والظروف الداخلية والخارجية والظروف الاقتصادية الصعبة والحرب مع اسرائيل توهم العديد ان انهيار النظام السياسي الاردني مجرد وقت ، مؤكدين حينها انه نظام ضعيف ، الا ان النظام الاردني تجاوز كل هذه الصعوبات والتعقيدات واثبت ان الدولة الاردنية بنظامها السياسي اصلب من الصخر فانهارت الانظمة العربية وبقي النظام الاردني .
وفي مطلع سبعينيات القرن الماضي ( احداث ايلول ) حيث تواجدت الفصائل الفلسطينية المسلحة في داخل معظم المدن الاردنية ومنها العاصمة عمان ، وحينها وصلت الامور الى حد ان هذه الفصائل شكلت دولة داخل دولة ورفعت بعض الفصائل شعار السلطة كل السلطة للمقاومة ومع تواجد بعض الحواضن الشعبية لهذه الفصائل والدعم الخارجي والانفلات الامني تمكن الاردن الذي توهم البعض من الداخل والخارج انه انهار وبات تحت سيطرة فصائل المقاومة من اعادة الامور الى نصابها وبسط سيطرة الدولة واجهزتها في انحاء المملكة كافة .
ان من يقرأ التاريخ يعرف ان القاعدة الاساسية للحكم في الاردن هي اللين ثم اللين والتسامح ولكن ايضا الحسم والصلابة والقوة والقدرة على التكيف واجتياز العواصف ايضا فهو نظام لين كالماء صلب كالصخر الجلمود .