الاردن اليوم .. محاولة للفهم
أ.د. هيثم العقيلي المقابلة
11-07-2012 06:07 PM
يخرج علينا المنظرون والسياسيون بتقسيمات للمجتمع الاردني والتخويف من المؤامرات والاتهامات بالوطنية وتخويف مكونات المجتمع من بعضها البعض.
وهل كانت الاردن او فلسطين او سوريا او مصر او اي مجتمع عربي بمنأى عن المؤامرات الغربية والصهيونية يوما. هنالك فئة من كل مكون مستفيدة من المؤمرات سواءا بالحصول على امتيازات او نفوذ، مستقوية على الشعب والوطن ذليلة خانعة امام المستعمر، يدعون النضال والكفاح والوطنية وكما تكشف الايام انهم براء من كل ذلك. هؤلاء النخبة يلعبون على اوتار الحقوق المنقوصة والتخويف من الوطن البديل والمبالغة في كل ذلك وقد ادركت كما ادرك غالبية ابناء هذا البلد ان الغالبية العظمى في هذا الاردن بغض النظر عن اصولهم تمتاز بمنسوب وطني عالي، فلا أدعي انني اكثر وطنية من آخر في هذا البلد هو وابنائه ولدوا وكبروا وبنوا في هذا البلد ويشعرون انه حاضرهم ومستقبلهم. ولا يدعي هو انه اكثر حبا مني لفلسطين ولقدس الاسراء والمعراج، لذلك اجد انه لا بد من وضع حد للتخويف من فزاعات الوطن البديل وذلك بتقنين ودسترة فك الارتباط ومن ثم التحول الى دولة مدنية للجميع فيها حقوق متساوية في كل شيء بعيداً عن اي تقسيمات.
اما بالنسبة للظرف الحالي فاعتقد اننا بحاجة لتصنيف شبه علمي بعيدا عن المكونات ولكن بتوصيف افضل للسلوك. وحسب اجتهادي فالمواطنين مصنفين الى مجموعات وكل مجموعة تحتاج لتعامل مختلف. ويبدو ان الازمة التي تمر بها المنطقة والربيع العربي ادى الى فرز اوضح اخذت حدوده بالوضوح اكثر فاكثر:
المجموعة الاولى( مجموعة الفاسدين المفسدين ): مجموعة فساد متنفذة حشرت نفسها داخل النسيج الاردني وشرعت وقننت الفساد وهؤلاء ليس لهم ولاء سوى لمصالحهم وهم اما قادمون على الاردن من دول غربية او ابناء مسؤولين سابقين او حاليين اعتمدو على نفوذ ابائهم او رصيدهم وهذه المجموعة ليست معنية لا بالبلد ولا بالمواطن ولا المستقبل ولا قيم العروبة او الدين او الوطنية. باعوا اصول البلد وثرواتها مقابل تضخيم ارصدتهم وللاسف فالجزء الاكبر من هؤلاء ما زال متنفذاً وخارج المحاسبة وما زالت عينه على ما تبقى في البلد من اموال فالبلد بالنسبة لهؤلاء ممر وليس مقر.
المجموعة الثانية (مجموعة القداسة والوراثة): مجموعة فساد اداري تسيطر على مناصب الدولة وتتوارثها وهؤلاء يضمنون استمراريتهم بالصمت عن الفساد او تسهيله والدفاع عنه لمصالح المجموعة الاولى. يعودون لعشائرهم ويستقون بها عندما يضيق عليهم الخناق ثم يهجروها ويحتقرو اهلها عندما يخرجون من الازمات وهم على قناعة بان استمرارهم معتمد على رضا المجموعة الاولى. فهم يريدون القداسة بحيث لا ينتقدهم احد ويريدون توريث مناصبهم ومصالحهم لأولادهم، وقد يكونوا المجموعة الاخطر على البلد لانهم يقفون عائقا في طريق محاسبة المجموعة الاولى وعندهم القدرة على اثارة النعرات لحماية انفسهم، رغم وجود منسوب معين من الوطنية عندهم حسب فهمهم لها، وهذه تترجم لإعاقة اي اصلاح تحت مختلف الذرائع.
المجموعة الثالثة (مجموعة الفاسدين الجدد او الفوضويون): وهذه تنمو بازدياد (على قاعدة بدل ما تحاسبني روح حاسبهم). هؤلاء يعتدون على الممتلكات العامة وعلى رجال الامن ويستقوون على موظفين الدولة العاديين. تجد اعتصاماتهم او حراكاتهم لامتيازات فردية او فئوية او عشائرية محدودة. هؤلاء كلما احسوا ان هيبة الدولة تضعف زادت رعونتهم ولا يوجهون طاقتهم ضد من نهبوا مقدرات البلد الا كلاميا في مجالسهم الخاصة. يمتازون بالجبن والانانية والوقاحة فتجد مطالبهم ضيقة يستقوون على المواطن العادي او الموظف العادي او المسؤول المحترم النظيف ويدمرون ويحرقون المنشآت العامة. هؤلاء لا يختلفون عن المجموعة الاولى سوى انه لم تتوفر لهم نفس فرص تلك المجموعة وخطرهم على البلد كبير.
المجموعة الرابعة (الانتهازيون الجدد): وهذه تنطبق على مجموعة من السياسيين والاحزاب (وليس كلهم) فهؤلاء يحاولون ابتزاز الدولة والوطن تحت غطاء المعارضة او الدين او الصوت العالي متخفين بالتنظيمات السياسية لتحقيق مكاسب فردية او فئوية. ينادون بالديمقراطية والحرية والاصلاح ليل نهار وهم مثال للديكتاتورية والا كيف يبقون في المناصب القيادية في التنظيمات السياسية دون تغيير او تبديل. هؤلاء هم الوجه الاخر للمجموعة الثانية ولكنهم خارج الحلبة وعندما يصلون لمناصب تجدهم المثال الاوضح للمجموعة الثانية بل واسواء منها احيانا.
المجموعة الخامسة (الوطنيون): هؤلاء مجموعة من الصادقين المحبين للوطن وللامة يطالبون بالاصلاح ويؤمنون به. ايديهم لم تتلوث بالفساد وهم الامل الحقيقي للبلد ولكن ان تخلصوا من بعض شوائب الاقليمية او العشائرية او العرقية.
المجموعة السادسة (المراقبون): هؤلاء اوضاعهم المادية مرتاحة نسبيا ولم يلوثوا بفساد حقيقي وبالتالي غير معنيين كثيرا بما يحدث. يأملون بصلاح الحال ولكنهم محبطون من المواطن والمسؤول ولا يرغبون بتقديم تضحيات ولا يشعرون ان للحكومة او المواطن منة عليهم.
المجموعة السابعة (المغلوبون على امرهم): وهذه هي الغالبية في المجتمع. عندما تذكر الامتيازات المالية او الاقتصادية يتهمون بها وعندما تذكر الامتيازات الحكومية يتهمون بها ايضا وهم لم يستفيدوا يوما من هذه او تلك. يتبرمون من الاوضاع بصمت، يخافون المسؤول ويخضعون للقمة عيش ابناءهم وهم وقود اي صراع والكل يدعي الدفاع عن حقوقهم وهم الخاسر الاكبر في كل المعادلات.
* استاذ مشارك / جامعة العلوم والتكنولوجيا