خلال أسابيع قليلة سيكتمل انتخابُ مجلسٍ نيابيٍّ جديد يستحق رئيس حكومة و حكومة قوية، و هو ما يجب أن نفكر به جميعاً؛ حيث إنّ الحكومات الحديثة، في العصر الرقميّ، تربط العالم السياسيّ و الاقتصاديّ معاً في صورة حقيقية غير مستعادة أو قابلة للتجبير، و تخلق بيئة عملٍ دوليّة متواصلة ضمن عولمة غير رجعيّة، و مناطق جغرافية جديدة على الشبكة الالكترونية، و مساحات ماليّة شكّلتها الآلة الرقميّة للشبكات العنكبوتيّة. و لكنّ ثقافة الشلل و المحسوبية، و التوريث السياسيّ، و المصاهرة الوزارية، تمنع بروز رئيس حكومة عصريّ من فئة رؤساء العصر الرقميّ، و تحدّ من وجود مرشّح من خارج هذه الأسراب التقليدية التي عاشت و تعشش في أضرحة سياسية تُغلّب المصالح على مصلحة الوطن. و بالتالي لا بد من تيّار كهربائيّ سياسيّ يسمح بالانتقال إلى مجتمع ذي نسيج واحد متجانس، شفّاف و عمليّ و حكومة متطورة عصريّة منخرطة في المجتمع الدوليّ و أليافه الضوئية، لا قابعة تحت شمعة البيروقراطية و سياسة فزعة "الحاجب و المحجوب".حديث جلالة الملك عبد الله الثاني منذ ثلاثة أسابيع إلى شباب "كلّنا الأردن" كان تياراً كهربائياّ أضاء مصابيح العتمة السياسيّة الذي أورثته بعض الحكومات، و كان دواءً لمرض رؤساء الحكومات، و هشاشة الحكومات المتعثرة، و التي لا تلبّي احتياجات العصر، و بعيدة عن استثمارات القرن، و غائرة في "كنّا الأردن" بمعناه الماضي. في الوقت الذي يجتهد الملك لأجل "كلنا الأردن" بمنظور المستقبل؛ و هذا هو الفرق بين الماضي في "كنّا" و بين الرؤية الملكيّة للمستقبل في "كلّنا ".
و لقد لامس جلالته عقل و قلب الشباب بأنْ وجّه حديثه إليهم و قالها صريحة: "أعطوني اسماً لرئيس وزراء قادر و أنا على استعداد أنْ اعهد إليه بالمنصب".
و تعريفُ رئيس الوزراء الذي يسعى إليه الملك هو غير ما يطمح إليه رؤساء الوجاهة، و أصحاب المنافع و المناصب و التوريث؛ فجلالة الملك يسعى منذ اعتلائه العرش إلى خلق رؤية تنافسيّة عالميّة ذات بصمات متنوعّة و خلّاقة، تُغيّر من الاقتصاد الداخليّ و تربطه بالعالمية، و تُطوّر السياسةَ بمفاهيم تقنيّة تسهّل مرجعيةَ البناء الأردنيّ. و بعض رؤساء الحكومات يرون الرئاسة وجاهه و مصالح و منفعة شخصية، و سداداً و ديْناً لمواريث باليه؛ و بالتالي على الأردن أن يتخلّصّ منها إلى الأبد، و يتجه إلى ترجمة الرؤية التحديثية التي يتبناها الملك عبد الله الثاني إلى الأرض الأردنية الطيّبة.
على سبيل المثال، يرى الملك أنّ الهند و الصين تملكان أربعين في المائة من القوى العاملة في العالم؛ فطار إليهما، و يعلم جلالته، من خلال قراءته الوضعَ الدوليّ أنّ اليابان ستنضم إليهما في عام 2032 ليشكّلا معاً قوة ثلاثية اقتصادية، هي ثلاثة أرباع القوى العالمية آنذاك.
من هنا يجب اختيار رئيس حكومة قادر على فهم الزيارات الملكية، و متابعة ما ينتج عنها، و تحليل ملفاتها و ترجمتها إلى أساسات في سياسية الدولة؛ رئيس وزراء ينافس المجتمعَ الدوليّ و يكمّل المجتمعات الشرق أوسطية في الفكر الخلّاق الإبداعيّ العلميّ أولاً، و مِنْ ثمّ في توفير البنية التحتيّة القادرة على جذب الاستثمارات، و تعريف الدور الأردنيّ العالميّ، و النهوض به ضمن مفاهيم و رؤى قائد البلاد الساعي إلى رفع الأردن إلى مصاف الدول المتقدمة، و تأمين دوره المُواكِب لمجتمعات تتنافس في مراحل المناخ السياسيّ الدوليّ، و الاقتصاد الالكترونيّ.
رئيس وزراء قادر على التفرقة بين ما هو استثمار خارجيّ أردنيّ و استثمار داخليّ أردنيّ و بين الاستثمار الخارجيّ و الداخليّ غير الأردني، و كيفية الحفاظ على مؤشّر التضخّم الاستثماري و انعكاساته على التجارة الوطنيّة.
في سياق العولمة و سباق السماوات الإلكترونية، لا مكان لدولة بمفردها أنّ تسود تقنياتها و سياساتها؛ لأنّ الاختلاف الزمنيّ يتلاشى مع الذرة الالكترونيّة، و سرعة انتقال المال عبر الهواء. و هذا ما يدفع بضرورة اختيار رئيس وزراء يتفهّم السرعة العالمية، و الجهد الدوليّ الاقتصادي، حيث لا سدود أو موانع أو حصر أو حجب أو تقصير. المطلوب بناء و ثقافة عالمية، و لغة تواصل دولية، و اقتصاد منتج، و تشريعات نظاميّة إلكترونية و عقليّة تطويريّة عصريّة سريعة، تُواكِب الرؤى الملكية، و تفهمها و تترجمها، و تنقلها إلى أرض الواقع.
رئيس الحكومة القادم عليه أنْ يفهم العمل الجماعيّ الدوليّ الصناعيّ و التجاريّ، و مشتقّات الناتج الربحيّ من العمّال المهرة المدرَّبين، و الأسواق الالكترونيّة، و العمل عبر البحار، و يطّور الانسجام الثقافيّ عبر الجغرافيات المتعددة، و يمنع التأخير بكل أشكاله و أصنافه ويحارب الإرهابَ الفكريّ و الدينيّ و العنصريّ، ضمن أجندة واحدة هي " كلّنا الأردن"، تحمي الأردن و تؤمن له ما يبحث عنه الملك و لا يجده في بعض رؤساء الحكومات؛ و هو ما دفع إلى ما قاله جلالته "أعطوني اسما". باقي من الزمن عشرون يوماً لظهور نتائج الانتخابات النيابية، و هذا أيضاً يدفع بثقة للحكومة غير ما كان متبعاً سابقاً من تكتلات منفعة أو مصالح. الأردن اليوم هو الأردن برؤية ملكية عصريّة، فلا تدعوا الفرصة تضيع.
AFTOUKAN@HOTMAIL.COM