ظلال القرار اخطر من القرار نفسه , كما في الصورة تماما , فالقرار صورة ذهنية وعملية لمنطوقه , وظلال قرار الرئيس المصري محمد مرسي بعودة البرلمان المصري المنحل استنادا لقرار المحكمة الدستورية , يحمل من الظلال الكثير , واخطرها شبهة المقاربة والمقارنة بينه وبين الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك , في جزئية الالتزام بقرارات المحكمة , بوصفها صورة اكيدة لاحترام مؤسسة الرئاسة لقرارات القضاء ودليلا كان يعوز مرسي ومن خلفه لاثبات جديتهم في بناء مشروع الدولة المدنية لا الدينية .
الرئيس مرسي كان يحتاج الى معرفة ان عش الدبابير المفتوح اصلا والمتربص بحسن نية وبسوء نية لتجربته كان ينتظر مثل هذه الظلال لتأكيد رأيه , وسلوك مرسي القريب الى قلب رجل الشارع في بواكير رئاسته اثار اعشاشا كثيرة , فصورة الرئيس دون حرسه محببة الى النفس , وشقته التي تشابه مساكن كثيرين من العرب والمصريين منحته ميزة اضافية , اعادت الى الاذهان صورة الرئيس المقرّب والقريب , فلماذا التورط السريع والعجول في مجابهة حكم القضاء الموكل اليه تنفيذه واحترامه , فالقضاء ليس مكلفا بتنفيذ احكامه .
صدام الشرعيات موجع وثقيل على الناس , ومرسي رئيس شرعي وفقا لاصوات الناس ويمين ادّاه امام المحكمة التي نقض قرارها بعد اسبوع واحد من يمينه , والمحكمة الدستورية لها شرعية لا يستطيع ديكتاتور او ديمقراطي رفض احكامها او عدم تنفيذها , فهي الوحيدة القادرة على تفسير حكمها , وعلى الجهة التنفيذية إعمال الحكم .
الظل الثاني للقرار والذي لا يقل سوداوية عن شبهة المقاربة والمقارنة التي صبّت للاسف لصالح نظام مبارك من حيث التنفيذ والالتزام , كان توقيت القرار بعيد لقاء مع مبعوث الادارة الامريكية والحامل دعوة الرئيس الامريكي للرئيس المصري لزيارة البيت الابيض وجمعية الامم المتحدة , وكأن الرئيس مرسي يعود لشبهة المقاربة باستقوائه على شعبه بالادارة الامريكية التي ظلّت على الدوام تناصر انظمة القمع والكبت , فأي مستشار اشار على مرسي ارتكاب هذا الفعل في هذا التوقيت ؟ من حق مرسي استرداد كل الصلاحيات من المجلس العسكري , ومن حقه وشرعيته ان يقوم هو بفعل الحل بدل العسكر , الذين شاب قرارهم بحل البرلمان ليلة انتخابات الرئاسة عوار قانوني , وليس من حقه ابدا ان يطعن الرئاسة المستندة الى شرعية الصناديق كتجربة اولى في العالم العربي هذه الطعنة وان يمنح اعداء الصناديق الشرعية هذه الفرصة الذهبية بمقارنته مع نظام رحل غير مأسوف عليه .
وليس من حقه توحيد المتناقضات السياسية وإجبارها من جديد على التوحد ضده بعد ان توحدت على انتخابه , فهو يعلم انه رئيس الضرورة وليس ضرورة الرئاسة , فشبهة رفض المقاربة والمقارنة هي التي دفعت كثيرين الى انتخابه امام منافسه احمد شفيق , وأخشى انه يعيد الكرّة معكوسة بقراره العجول والذي يعبّر عن عدم استقلالية مؤسسة الرئاسة عن حزبه وتحالفاته اثناء الانتخابات البرلمانية المبطلة بقرار المحكمة الدستورية.
استعجال مرسي اعاد احياء النظام السابق , من خلال تجربة المصريين مع احكام المحكمة الدستورية والاذعان لها , فنجح الطاغية وفشل المُنتخب او هكذا هي الصورة الى الان , وصورة الرئيس الحافظ لكتاب الله ومسلكه البسيط وسلوكه الطيب اضفى صورة جديدة وظلال ثقيلة على الصورة نفسها , فالرجل داعية اكثر منه رئيسا , وحزبي اكثر منه مستقلا , وعضو في ترس الجماعة وليس رئيسا لها ورئيسا لباقي المصريين , تماما كما كان مبارك ترسا في الحزب الحاكم ومجموعة العائلة وليس زعيما لمصر وشعبها .
شبه المقاربة والمقارنة , وقعت , وكان على بطانة مرسي ان تمهّد الارض لالغاء الاعلان الدستوري المكمل اولا , ومن ثم الطلب من المحكمة الدستورية تفسير قرارها بحل البرلمان , إن كان يشمل الثلث ام كل المجلس ثم يعلن التزامه بحل البرلمان او دعوته وفقا لتفسير المحكمة الدستورية .
الرئيس مرسي يشبهنا كثيرا , ولا نريد له ان يجهض التجربة قبل بلوغها سن الفطام ولا تعوزه الجرأة للعودة عن الخطأ , وكسر اي شبهة مقاربة او مقارنة مع رموز سابقة , ومعني اكثر بتأكيد التزامه بمدنية الدولة التي اولى خطواتها احترام القضاء.
omarkallab@yahoo.com
الدستور