كانت بلاد الشام في العهد المملوكي تقسم الى ست نيابات او ممالك كبرى وهي : دمشق ، حلب ، حماه، طرابلس ، صفد، الكرك . ثم زيدت نيابتان هما غزة وبيت المقدس . وكانت شرقي الاردن في عهد دولة المماليك الثانية تقسم الى قسمين ؛ القسم الجنوبي وهو القاعدة السادسة من قواعد المملكة الشامية وهي مملكة الكرك . وقسم شمالي يتكون من نيابة عجلون وولاية البلقاء ومنطقة الاغوار . وكانت هذه المناطق تتبع مملكة دمشق .وكانت نيابة الكرك تقسم الى اربعة اعمال هي : عمل بر الكرك اي ما حولها، عمل الكرك ، عمل الشوبك ، عمل زغر، عمل معان . وغالبا ما كانت البلقاء تنزع من دمشق وتضاف الى الكرك . وكانت الكرك تنفرد باستقلال شبه تام عن نيابات السلطنة .
وكانت حدود نيابة الكرك تمتد من العلا وعقبة الصوان ، وتضم ايلة ( العقبة) وزيزياء . والجفر وباير والازرق .
وكانت الكرك تتبع لنيابة القدس احيانا كما حدث سنة 912هـ 1506م . والحقت الكرك بنيابة غزة سنة 922هـ 1516م . اما عجلون فكانت تفصل عن دمشق وتعود اليها . وكانت تضم الصويت ، اربد ، حبراص ، بيت راس ، جدار، الضليل ، المفرق ، ايدون ، الرمثا . اما ولاية البلقاء وقاعدتها حسبان فقد كانت تضم السلط ، عمان ، واحيانا مؤاب .
وكانت شرقي الاردن في عهد دولة المماليك الثانية تتبع لدولة الجراكسة من الترك الذين اكثر من شرائهم المنصور قلاوون ، فقد اشترى 3700 مملوك من الامراء والجراكسة واسكنهم برج القلعة وسماهم البرجية . وتدرجوا في المناصب . دون ان يسمح لهم بالخروج من القلعة ، الى ان تسلطن الملك الاشرف خليل بن قلاوون الذي سمح لهم بالخروج نهارا فقط . وسمح لهم الملك الناصر محمد بن قلاوون بالخروج للحمام يوما في الاسبوع
فوقفوا على الاحوال العامة بعد ان كانوا منعزلين عن الناس .
بعد رجوع السلطان الاشرف شعبان من العقبة بعد تغلب مماليكه عليه ، وبعد خنقه في القاهرة سنة 778هـ 1376م ، اخذ نجم احد المماليك البرجية او الشراكسة بالظهور وهو برقوق بن انص بن عبد الله الجركسي العثماني . والذي كان اخذ من بلاده وبيع للتجار الى ان وصل الى مصر حيث اشتراه الاتابك يلبغا العمري الخاصكي سنة 764هـ 1362م . فاعتقه ، وكان اسمه طنبغا فغيره الى يلبغا برقوق . وبعد مقتل الامير يلبغا 1366م قبض على مماليكه ون بينهم برقوق فسجن في قلعة الكرك ، وبعد ان افرج عنه توجه الى الشام وخدم لدى منجك اليوسفي نائب الشام ، الى ان اعاد السلطان الاشرف المماليك اليلبغية الى الديار المصرية .
واقام برقوق في خدمة اولاد الملك الاشرف علي وحاجي . وبعد مقتل الاشرف لمع نجمه 1376م . فاصبح مدبرا واتابكا للسلطنة ، واستمر في خدمة طشتمر الى ان سجن الماليك طشتمر في الاسكندرية فال الامر الى بركة وبرقوق فتقاسما المملكة ، فاصبح برقوق اتابابكا للعساكر الى سنة 782هـ 1380م . ثم انفرد برقوق بالسلطنة ، واصبح سلطانا ولقب بالملك الظاهر فانتهت دولة الماليك الاولى البحرية وبدات الثانية البرجية او الشركسية.
وقد استمر حكم برقوق من 784- 791هـ . وقد خرجت الشام من طاعة برقوق الى طاعة يلبغا الناصري ومنها الكرك ، وتمكن يلبغا والمماليك من عزل برقوق 1388م حاجي بن الملك الاشرف ولقبوه بالمنصور واصبح يلبغا الناصري مدبرا للسلطنة . وسجن برقوق في الكرك ، ثم مالبث ان دب الخلاف بين يلبغا الناصري والامير منطاش سنة 791هـ 1388م فسيطر منطاش على السلطنة وسجن الناصري. وارسل الى الكرك من يقتل برقوق الا ان نائب السلطنة بالكرك رفض واخذ يماطل في قتله ، ثم تمكن برقوق من الاستقلال بالكرك وبايعه نائب السلطنة واهل المدينة . وقطعت خطبة المنصور حاجي بالكرك ، وخطب لبرقوق . واضم اليه بنو عقبة وال الفضل ومشايخ العشائر وعرب جرم ونصارى الكرك ، والعربان والتركمان . وخرج برقوق الى الشام بعسكره واثقاله . فخرج معه 500 من مماليكه و2000 من اهل الكرك ، وعددا كبيرا من العرب. فسار الى اللجون فحسبان فضيفه بنو مهدي بها ، ثم سار الى الزرقاء فجاء اليه الحارثي وعيسى بن فضل والغزاوي . وبايعوه وحلفوا له بالطاعة . ثم سار الى اذرعات اي درعا . فجاءته قوات نائب دمشق فهزمها. وتتابعت هزائم المنصور حاجي والامير منطاش ، ثم عاد الى مصر منصورا واعيدت السلطنة لبرقوق وتلقب بالملك الظاهرمعلتليا السلطنة للمرة الثانية . وقال احد الزجالة المصريين :
من الكرك جانا الظاهر وجب معاه اسد الغابة
ودولتك با امير منطاش ما كانت الا كدابة
وقد اعتمد الظاهر برقوق على اهالي شرقي الاردن في القبض على الخارجين عليه .
وبعد وفاة الظاهر برقوق تولى السلطنة السلطان فرج بن برقوق ولقب بالملك الناصر سنة 801هـ 1398م وفي عهده اشتعلت الفتنة بين القيسية واليمانية في الكرك سنة 802هـ 1399م فرئس القيسية قاضي الكرك شرف الدين موسى بن قاضي القضاة عماد الدين احمد الكركي . ورئس اليمانية الحاجب شعبان بن ابي العباس . وامتدت الفتنة الى الغور . وكان النصر لليمانية . واستمر اهل شرقي الاردن بمساعدة السلاطين على القبض على الخارجين عن السلطة.
وتعرضت شرقي الاردن ولاد الشام لغزو التتار بقيادة تيمورلنك للمرة الثالثة فالاولى كانت زمن هولاكو 1260م والثانية زمن محمود غازان سنة 1299م والمرة الثالثة بين 784-922هـ 1382-1516م . ففي سنة 802هـ 1399 م جاءت حركة تيمورلنك فوصلت قواته دمشق سنة 1400م وحاولت دخولها والسلطان الناصر فرج يدافع عنها ، وقام اهالي شرقي الاردن بالانضمام لقوات السلطان فرج لمواجة قوات التتار فتجمع اهل الاغوار وال علي وبنو مهدي وعرب حارثة وابن القان والغزاوية . وقد طلب تيمور لنك الصلح عدة مرات، الا ان اختلاف المماليك جعل السلطان يغادر دمشق فوقعت فريسة للتتار سنة 1400م الا ان اهلها الدمشقيون استبسلوا بالدفاع عنها الى استعمل معهم التتار الخداع والتضاهر بالصلح فدخل المدينة خدعة . فنهبوا المدينة ثم غادروها.
ثم تامر المماليك على السلطان فرج سنة 808هـ 1405م وخلعوه وولوا عبد العزيز بن برقوق . الا ان فرج عاد وظهر وخلع عبد العزيز وعاد للسلطنة . وكان الاميران شيخ المحمودي ونوروز الحافظي قد خرجا على السلطان فرج وتحصنا في الكرك سنة 1403م ثم سيطرا على الشام فخرج اليهما السلطان واعادها. ثم حاصرهما في الكرك سنة 1410م الى ان انعقد الصلح بين السلطان وبينهما .
وفي سنة 816هـ 1413م ظهر الخارجي الذي ادعى انه السفياني وهو رجل عجلوني يسمى عثمان بن احمد بن عثمان بن محمود بن محمد بن علي بن فضل بن ربيعة ويعرف بابن ثقال خرج على السلطان واقام بدمشق ، ثم قدم عجلون ونزل بجيدور ودعا لنفسه فاطاعه خلق كثير من العرب والعشير والترك ، وعمل له الوية خضراء ثم سار الى وادي اليابس في الغور . وسمى سلطنته " الدولة السلطانية الملكية الامامية الاعظمية الربانية المحمدية السفيانية ". وقد اتخذ الصوفية منهجا لدولته . ودخل عجلون في سنة 816هـ 1413م بعسكر كبير واقطع الاقطاعات . فقبل الناس الارض بين يديه . وخطب له على منابر عجلون . فقيل " السلطان الملك الاعظم السفياني " ، فثار عليه غانم الغزاوي من قبيلة خطاب بن عمر بن مهنا الغزاوية بعجلون ، وقاتلوه والقوا القبض عليه بجامع عجلون واعتقلوه بقلعة عجلون .
وقد استقرت الحوال بشرقي الاردن فلم تحدث ثورات على السلطة المركزية من 816-922هـ 1403-1516م . وقد تولى من نواب السلطنة في العهد المملوكي الثاني في الكرك 55 نائبا للسلطنة من عهد برقوق اول المماليك البرجية الى الظاهر قانصوه الغوري اخرهم سنة 1516م .
وقد تولى السلطنة بعد فرج بن برقوق المؤيد شيخ حوالى 1414م وولده احمد 1419م وسيف ططر ومحمد بن ططر والاشرف برسباي وابنه يوسف وجمال الدين بن برسباي الى 1438م وجقمق الى 1452م واينال العلائي الى 1461م واحمد بن اينال ثم خشقدم الى 1467م والظاهر يلباي وتمربغا الظاهري . والاشرف قايتباي ومحمد بن قايتباي الى 1496م والظاهر قانصوه الغوري الى 1516م وهو اخر المماليك قبل ان يتولى العثمانيون البلاد .
وهكذا عاشت شرقي الاردن تحت دولة المماليك الثانية .